مغرب

رسالة بوعشرين لابنه في عيد ميلاده : يا بني

 

 

هذه رسالة توفيق بوعشرين لابنه الذي يحتفل بعيد ميلاده.

لا تحزن يا ولدي في عيد ميلادك

اعذرني يا ولدي عن الغياب في عيد ميلادك

اعذرني يا ولدي لأني عاجز عن شرح و تبرير هذا الغياب

اعذرني يا ولدي أني لا أملك الشجاعة لإستقبالك في السجن و أجعلك تعيش هذه التجربة القاسية..

اعذرني يا ولدي لأني لن أشتري لك هدية هذا العام

اعذرني يا ولدي لأني لن أَطْفِئ معك شمعتك السابعة، فأنا نفسي شمعة أطفأها السجان ووردة سحقها الطغيان

اعذرني يا ولدي ، إني عاجز حتى عن كتابة رسالة إليك أو رسم قلب مكسور،، فالدولة منعت عني حقي البريدي قطعت رسائلي عن بيتك خوفا عن الأمن العام!

اعذرني يا رضى يا ولدي لأني غائب عن البيت منذ أربعة أشهر بدون مبرر لديك،، فطالما كنت في سراح مؤقت و ها أنذا في اعتقال بلا وقت…

سامحني يا رضى لأني لا أملك أجنحة عصفور لأطير عندك و أطبع قبلة على خدك…

آه من صوتك يا ولدي عندما يجيء خلف سماعة الهاتف محملا بالشوق و الخوف و الرجاء،مثقلا بعشرات الأسئلة التي لا تجد لها جوابا… أما السؤال الذي يكسر قلب كل أب فهو عندما تقول لي: بابا متى تعود إلى البيت لقد اشتقت إليك.

سامحني يا رضى لأني اخترت مهنة يمشي صاحبها برجليه إلى حافة الخطر .. مهنة لا تقبل أية شركة للتأمين توفير بوليصة حماية لصاحبها…

يا ولدي إني أتكلم معك متوكئا على عصى أحزاني و مقاوما لدموع تقفز من العين ولا تسيل على الخد.. لأول مرة أعرف أن الدمع يمكن أن يقفز من العين بدون سابق إعلام

يا ولدي أنا عاجز عن إيجاد الكلمات القادرة على نقل مشاعري و همومي و أحزاني.

كتبت مئات الآلاف من الجمل و نقشت ملايين الكلمات و ما شعرت بيدي ترتجف و لا عصبي يحترق،، لكن الكتابة إليك يا ولدي الْيَوْمَ تمرين شاق و عزف متوتر على حبال القلب

رضى يا ولدي لقد تركت على وسادتك عطري و قصصي و فيضًا من حناني،، فارجع إليها علها تعوضك عن خسارة والدك الذي غاب دون سابق إعلام

رضى يا ولدي أنا عاجز على طرق باب غرفتك،، لكن أنت قادر على طرق باب أحلامي كل ليلة و الحديث معي كل صباح و توزيع ابتسامتك الملائكية كل حين،،فلا تحزن إن الله معنا

رضى يا ولدي يحزنني أنهم أخذوني منك بجريرة ما كتبت من أراء..وها أنا الآن بلا رأي وأنت بلا أب،، فهل هذا يدخل بعض السرور على قلوبهم القاسية..  وهل هذا يحل بعض مشاكلهم مع شعب يئن في صمت و يقاطع بضائعا لأنه عاجز عن الطيعة مع زمن الخوف وكبت الحريات

عذرا ا ولدي إن أنا تأخرت عن الحضور إلى البيت فمن صنع هذه المحاكمة و هندس هذا الملف حمل مسدسا  وصوبه نحو رأسي و قلبي و حلقي بتهمة مَس هيبة الدولة و الاعتداء على عذرية السلطة…

يا ولدي انهم لا يسلبون حريتي فقط بل يسلبون مني حقي في محكمة و قاض و محام وقانون… إنهم يسارعون إلى ذبحي على سنة “إن ذبحتم فأحسنوا الذبح” لهذا أطلقوا كلاب الصيد من رباطها تنهش في سمعتي و شرفي حتى قبل أن ينزل الحكم فوق رأسي

يا ولدي لقد دفعوا صحف و مواقع و تلفزات لتغرز أنيابها المسمومة في لحمي،، لكنهاتحولت كلها إلى بغايا تعرض بضاعتها في السوق… لا تلتفت إليها يا ولدي فليس فيها من الحقيقة سوى زمن الصدور و ثمن البيع و الفرق كبير بين الثمن و القيمة و بين الزمن والتاريخ..

يا ولدي يوم اعتقلوني من مكتبي لم يفاجؤوني،، كان قلبي دائما ينبئني أنهم في الطريق لإعتقالي لأني كنت أعلم أن طاقة صبرهم قد نفذت أمام كلمة حرة و جريدة حرة و صحافة حرة و نفس أبية…

هل رأيت يا ولدي دولة تتسلل في الظلام لصناعة تهم بديلة لقلم بلا تهمة حتى القاتل المحترف له أخلاق و يطلق النار على الضحية في وجهه لا في ظهره..

يا ولدي لم أكن أعرف حجمي و لا تأثيري إلى أن هاجموني ذات مساء بكتيبة من أربعين رجل أمن فتأكدت أن رأسي أصبح مطلوبا و ريشتي أصبحت خطرا…

صدق نزار قباني يا ولدي عندما كتب: أي عصر عربي ذلك العصر الذي أفتى بقتل الكلمات، أي عصر ماضوي،، فوضوي،، بدوي،، قبلي،، سلطوي،، دموي.. ذلك العصر الذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى