مغرب

تحقيقات “منارة المتوسط”.. هل دقت ساعة المحاسبة ؟

بعد الأوامر السامية التي أصدرها الملك محمد السادس في المجلس الوزاري ما قبل الأخير، والتي كلف بها مفتشية وزارتا الداخلية والمالية للتحقيق في تأخر مشروع الحسيمة منارة المتوسط ، توصل الملك بالنتائج يوم الاثنين الماضي حينما استقبل بالقصر الملكي بالرباط رئيس الحكومة  ووزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية والرئيس الاول للمجلس الاعلى للحسابات.

وخلال هذا اللقاء حسب بلاغ للديوان الملكي،”تم تقديم خلاصات  التقارير بين يدي الملك التي كان  قد امر بها بخصوص مراحل تنفيذ برنامج التنمية “الحسيمة: منارة المتوسط”.

وحسب نفس البلاغ فإن  “الملك اعطى اوامره للمجلس الاعلى للحسابات لكي يقوم بالبحث في نفس الموضوع خلال اجل لا يتعدى عشرة ايام “.

الشوط الأول من التحقيق وحسب تقارير عمليات التقصي “خلصت إلى وجود تأخر، بل وعدم تنفيذ العديد من مكونات هذا البرنامج التنموي، مع استبعاد وجود أي عمليات اختلاس أو غش”، يقول بلاغ الديوان الملكي .

لكن الملك محمد السادس لم يكتفي بالتحقيق الذي تكلفت به أم الوزارات_الداخلية_  الى جانب وزارة المالية  ، فقد كان ادريس جطو رئيس المجلس الاعلى للحسابات من بين المسؤولين الذين حضروا الاجتماع ، وهو الذي أوكلت له مهمة اتمام الشوط الثاني من الافتحاص وذلك في أجل أقصاه عشرة أيام، وذلك طبقا لصلاحيات واختصاصات المجلس في مجال تقييم المشاريع العمومية.

وبالعودة إلى التقارير والتحريات  التي اعتاد المجلس القيام بها ، نجد بأن جطو يضع جميع المؤسسات العمومية بدون استثناء تحت مجهر الرقابة ، حيث سبق  له أن نفى وجود أي مؤسسة خارجة عن هذه القاعدة، وهو ما يمكن أن نفهمه من خلال تكليفه بهذه المهمة الماراطونية ، انطلاقا من مبادئ العدالة والصرامة والشفافية التي تحدث عنها الملك و ذكرها بلاغ الديوان الملكي.

وبهذا التكليف تكون  عقارب الساعة قد قرعت جرس انذار  المحاسبة ، فلعنة الاقالة  باتت أمرا محسوما ، سواء أكانوا وزراء في حكومة بنكيران السابقة أو الكتاب العامون للوزارات، وقد يجد بنكيران نفسه أمام المساءلة باعتباره المنسق العام  بين القطاعات ، على الرغم  من أنه أبعد تهمة المتابعة عن نفسه خلال حديثه في وقت سابق عن  برنامج  الحسيمة منارة المتوسط الذي تم توقيعه أمام  الملك في أكتوبر 2015 بتطوان، وقال عنه ” لم أكن أعلم بخبر التوقيع الا عندما شاهدته في نشرة الأخبار ” .

وفي الوقت الذي راجت فيه الأنباء عن قرب اقالة بعض وزراء حكومة العثماني الذين كانوا ضمن فريق حكومة بنكيران ،  في حال ما اذا تبث تورطهم في تأخر مشروع “منارة المتوسط “، أسقط العثماني فرضية الاقالة عن وزراءه   وقال خلال ندوة تقديم  الحصيلة الأولية من عمل الحكومة ، بأن ما قامت به الحكومة وأغلبيتها في البرلمان “عمل يستحق التنويه، كما  أن من روج باستمرار لسقوط الحكومة إو إقالة بعض أعضائها، هؤلاء خاب ظنهم وسيخيب ظنهم مستقبلا” .

الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي  العمراني بوخبزة ، اعتبر في تصريح له مع “أوريزون تيفي “، بأن “هناك فرق بين المسؤولية الجنائية  والسياسية ، فالأولى مرتبطة بالاختلاسات المالية وهذا الأمر تم استبعاده من خلال تقارير وزارتا المالية  والداخلية  وبالتالي لا نتحدث اليوم عن المسؤولية الجنائية ، الآن أصبح الحديث عن المسؤولية السياسية  وهذا الأمر يجب أن ندرجه ضمن ثقافتنا السياسية  بالمغرب لأننا دائما نربط المسؤولية والمحاسبة بكل ما له علاقة  باختلاس المال  العام” .

وأضاف بوخبزة بأن ” الطبقة السياسية يجب أن تحاسب اليوم على المسؤولية السياسية، وبالتالي يمكن  للتقرير الذي سينجزه  المجلس الأعلى للحسابات أن يثير المسؤولية السياسية لبعض المسؤولين ، خاصة وأننا نتحدث عن اختلالات في عملية تنفيذ المشاريع  وعلى رأسها مشروع الحسيمة منارة  المتوسط  ، وبالتالي فسوء التدبير وغياب الكفاءة في عملية تسيير الشأن العام يجب أن تخضع بدورها للمساءلة والمحاسبة “.

وأوضح المحلل السياسي بأن ” الحديث عن المسؤولية السياسية فيها فروع كثيرة ، والأن نتحدث عن حكومة جديدة وليست الحكومة السابقة ، فهناك بعض اللأسماء  كانوا  يتحملون المسؤولية في الحكومة السابقة ، ويتحملون أيضا المسؤولية السياسية اذا ما  تبثت ، وهذا الأمر يرتبط  بالأشخاص و قد لا يؤدي الى  اعادة النظر في الأغلبية التي تتشكل منها الحكومة،  لأنه  ليست لدينا سيناريوهات لتشكيل أغلبية جديدة، فالأحزاب الممثلة بالبرلمان جلها  داخل الائتلاف الحكومي ، وبالتالي قد يتم تغيير الأشخاص من الوزارات ولن يمس ذلك جسم  الأغلبية الحكومية ”  على حد قوله .

يشار الى أن الملك محمد السادس وجه انتقادات  لاذعة  الى الطبقة السياسية  في خطاب العرش الأخير،  حيث بعث رسائل قوية وقام بتشريح الأعطاب والاختلالات التي تعيق النموذج التنموي للمغرب، خطاب كان  موجه بشكل مباشر الى الطبقة السياسية والمسؤولين باختلاف درجات مناصبهم ، فلأول مرة ينهي الجالس على العرش مسألة تقديم الاستقالة من المناصب ، والتي كانت بالأمس  خطوة مستحيلة في عقلية السياسي المغربي،  قائلا في العبارة الشهيرة التي وردت بالخطاب  ” كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا “.

ومن المنتظر أن يلقي الملك محمد السادس خطاب افتتاح الدورة التشريعية بالبرلمان في الجمعة الثانية من هذا الشهر الجاري ، خطاب يتزامن مع انتهاء  المهلة التي منحها الملك  لمجلس جطو ،  للحسم في مصير عدد من المسؤولين الساميين ، الذين  أسقطت عنهم تقارير  وزارتا المالية والداخلية “وجود عمليات اختلاس أو غش”، وهو الملف الذي بات بين يدي المجلس الأعلى للحسابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى