مجرّد رأي: شجاعة ملك و غباء دولة !
القمة الأورو-إفريقية التي احتضنتها العاصمة الإيفوارية أبيدجان، الأسبوع الماضي، كشفت – و بشكل واضح – الشجاعة السياسية للعاهل المغربي، الملك محمد السادس. بالمقابل فالحدث عرّى غباء قيادة دولة بكاملها،
بأن أصرّت الجزائر على معاداة المغرب في القارة السمراء، و مواصلة الجفاء مع الجيران، في وقت تعيش فيه القارة تحولات كبرى، أصبح معها أشدّ أعداء المغرب، سابقاً، يتسابقون اليوم من أجل توطيد علاقاتهم بالمملكة.
شجاعة محمد السادس كانت بأن تحلى بالجرأة السياسية اللازمة، لخوض المعركة الدبلوماسية المشحونة، و يحسم بشكل نهائي الترقب الكبير حول ما إذا كان ملك المملكة سيقبل بتقاسم نفس الفضاء المؤسساتي مع زعيم جبهة إنفصالية. كثيرون ذهبوا، قبل إنعقاد القمة، إلى القول بأن مشاركة الملك هي هزيمة للمملكة أمام الجبهة، واعتبارها اعترافاً ضمنياً بها، و اجتهدوا في التأويل و التكييف، و ذهبوا حدّ القول بأن عدم مشاركة الملك في قمة من هذا النوع، ستكون بدورها هزيمة للمملكة، لأن الجبهة ستكون حينها، حسب تكييفهم، أرغمت الملك على التغيب عن حدث كبير جدّاً مع فسحه المجال لزعيم الجهة مدعوما بالدبلوماسية الجزائرية، للترويج للأطروحة المعادية للمغرب.
و في الحقيقة، فقد كان الوضع حرجاً و الموقف صعباً. و الفهم البسيط للسياسة و الدبلوماسية كان يقول بحساسية الموقف الذي وجد المغرب نفسه فيه، في أول قمة تشهد مشاركة زعماء الدول الإفريقية و نظرائهم الأوروبيين، منذ عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي، منذ سنة بأديس أبابا.
غير أن المواقف الصعبة، تتطلب دائماُ سلك الطرق الصعبة، و ركوب التحديات الأصعب – كبّرها تصغار- لكي تقلب موازين القوى لصالحك. و هو ما كان يتطلب شجاعة كبرى، ممزوجة بذكاء كبير و تخطيط محكم، من أجل التعامل مع الوضع “الصعب” بما يلائم، و الخروج من المأزق بإنتصار بائن. وكان ذلك بالفعل ما قام به الملك محمد السادس. بعدما قرر عدم مقاطعة القمة و ترك الكرسي فارغاً. بل اختار ملأ الكرسي، و النزول بثقله إلى الميدان.
والحصيلة، هي أن نجح الملك في دحض أطروحة الهزيمة المغربية، بأن تصدر القمة وجعل البوليساريو في حجمه الطبيعي الصغير، و محاصرة التحركات الجزائرية الداعمة للجبهة، ثم تحقيق القفزة النوعية بتحطيم آخر القلاع الكبرى المعادية للمغرب، إثر اللقاء مع جاكوب زوما، رئيس جنوب إفريقيا، التي لطالما كانت تتصدر الهجوم على المغرب في القارة و دعم البوليساريو، و إعلان تدشين مسلسل جديد من التعاون الواعد بين البلدين، الذين يتصدران قائمة المستثمرين الأفارقة في القارة السمراء.
أمّا غباء القادة الجزائرين، ولا نقول الجزائر أو الشعب الجزائري، بل صناع القرار السياسي في البلاد، فهو واضح أيضاً. إذ كيف يعقل أن تواصل شحن نفسك بالعداوة ضد أخيك، الذي تشترك معه الدم و الملّة و التاريخ و الجغرافية و الدين و اللغة و الثقافة، و الأنساب، و كثير أشياء.. في وقت يفتح الأغراب و البعيدون بل و حتى الأعداء الباب لهذا الأخ و يحرصون على تطوير علاقاتهم به. بل إن أشدّ الغباء هو الإبقاء على الحدود البرية مغلقة، مع بلد يمكنه أن يكون حليفاً إستراتيجياً و شريكاً إقتصادياً اليوم و غداً. و إنّ من الغباء أيضاً، الإصرار على دعم البوليساريو و تمويلها، في وقت تنفض الأغلبية الساحقة من الدول الإفريقية من حولها، و هذا الغباء، سوف يقود الجزائر إلى عزلة رهيبة في القارة الإفريقية التي تبحث عن تكتلات إقتصادية صلبة و شراكات إستراتيجية متينة، في وقت يشجع فيه قادة و جنرالات الجزائر على التفرقة و الخراب. وإنّ لمن الغباء أيضاً، عدم تقدير شجاعة الملك محمد السادس، الذي يحمل قضية الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب في العلن و في خطابات رسمية، و يجاهر بتحميل الجزائر استمرار النزاع على الصحراء، و يجاهر باستعداده للجلوس إلى قادة البوليساريو في مائدة واحدة للتفاوض، وتأتي الجزائر لتدير ظهرها للغة العقل، و تصرّ على اجترار الأسطورة المشروخة بالقول أن المغرب يستعمر الصحراء، أسطوانة باعتها جنوب إفريقيا و نيجيريا و أثيوبيا، و ظلت عالقة بين أيدي “الأشقاء الأشقياء”، و أفنى روبيرت موغابي حياته في الرقص عليها قبل أن ينقلب عليه أهله.
أفلا يعقلون… !؟