السيدة التي تستحق أن نرفع لها القبعة
يخجل المرء حينما يشاهد شجاعة استثنائية قل نظيرها في بلادي، والسيدة « تيريزا ماي » رئيسة وزراء بريطانيا تضع بكل إجلال وتقدير وحب استقالتها أمام الملأ لتعلن لرفاقها المحافظين وحكومتها ولباقي العالم أنها لا تستطيع الاستمرار في ذات المنصب بسبب فشلها في تطبيق نتائج الاستفتاء لخروج دولتها من الاتحاد الأوربي.
لا يهم من كان على صواب، حزبها أم المعارضة، بقدر ما يهم الأسلوب الذي أعلنت به تخليها عن الكرسي الذهبي لإحدى أكبر دول العالم، وهي ترفض بذلك أن تنزل بالسياسة النبيلة إلى القاع، عكس ما يحدث في دول كثيرة ومنها بلادي.
كل الذين تابعوا مشهد الاستقالة، القصير في مدته والدال في مضمونه، لا بد أنهم أحسوا بقوة الرغبة الشديدة في عودة السياسة إلى نبلها، بما هي دفاع عن المنتخبين وعموم المواطنين، حيث الأبيض أبيضا والأسود أسود ولا تمازج بينهما إلا عند أصحاب المصالح الذين يخلطون كل شيء ضمانا لمقاعدهم الخشبية!!
وكم كان المشهد معبرا حينما أذرفت السيدة الجليلة دموعها، حينما ربطت مغادرتها لمقعدها بحبها لوطنها، وليس ضياعا لامتيازات أو فقدان لمصالح، وقالت إنها ثاني رئيسة وزراء تغادر هذا المنصب قبل أن تكمل ولايتها، وقد لا تكون الأخيرة، وأن هول اللحظة المطوق بأمانة العقد الذي يربطها بعموم البريطانيين يدفعها لقول الحقيقة مهما كانت أليمة : فشلتُ وعلي أن أغادر!!
رائع ما يحدث هناك، ومؤسف ما يحدث في بلاد كثيرة، ومنها بلادي، حيث الإصرار على تحويل مناصب زائلة إلى ملكية خاصة، لا يقررون الرحيل إلا بعد اقتراب نهاية الصلاحية!!
أتذكر المفكر المغربي الكبير الراحل محمد عابد الجابري حينما سئل عن موقفه من القضايا التي تتواتر عند كل دخول سياسي، رد الجابري بهدوء معبر: إننا لم ندخل السياسة بعد!!
مؤسف.