يجيب وزير العدل السيد محمد بنعبد القادر على ثلاثة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، في إطار نافذتها “في ضيافة الوكالة”، حول تعثر المصادقة على مشروع القانون الجنائي، الذي يراوح مكانه في رفوف مجلس النواب منذ 24 يونيو 2016.
هناك من يتحدث عن تعثر يواجهه مشروع القانون الجنائي، ويربطه بقضايا محددة، خاصة الإثراء غير المشروع، ما تعليقكم على ذلك؟
الحديث عن أن سبب تعثر المشروع راجع للخلاف حول مادة من مواده هو ليس فقط اختزال، بل تضليل للرأي العام وديماغوجية سياسية، وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات لا أرغب في الدخول فيها.
فالقول بأن سبب تأخر أو تعثر مشروع قانون تعديلي، يهم حوالي 80 مادة، راجع إلى (مادة) الإثراء غير المشروع كلام ليس من شأنه أن يساعد على إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، وهو ضغط ونوع من التشويش على النقاش الهادئ وتنميط للتعبير عن وجهة النظر، لأن من حق كل الفرق وكل النواب والفاعلين الإدلاء برأيهم في كل المقتضيات من أجل تجويدها وإسنادها إلى الأحكام الدستورية والاجتهادات الممكنة، ولا يمكن اعتبار كل من يريد تحديد سقف معين أو يناقش مسألة الإثراء غير المشروع، هو ضد أو مع الفساد، فهذا النوع من التصنيفات لا تليق بالعمل المؤسساتي المسؤول والهادف.
صرحتم مؤخرا بأن من حق الحكومة الاطلاع على مضامين المشروع، هل هذا يعني إمكانية سحب القانون من مجلس النواب؟
ما طرحته في جوابي عن سؤال بمجلس المستشارين حول سبب تأخر مشروع القانون الجنائي بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، كان فيه تذكير بأن الحكومة الحالية، التي عينت في 5 أبريل 2017، عرفت في كثير من المحطات عدة تعديلات وأصبحت حكومة متجددة، لم تطلع لحد الآن على هذا المشروع ولم تحط علما به.
وسيكون من باب العبث وعدم احترام المؤسسات أن يذهب وزير العدل المعني بالموضوع إلى لجنة العدل والتشريع وينخرط في التفاعل بالرفض أو القبول مع التعديلات دون أن يعود إلى الحكومة، فالوزير القطاعي عندما يصل إلى مرحلة إدراج التعديلات والمصادقة، فهو يفعل ذلك باسم الحكومة وما يقرره في الجلسة ملزم للحكومة، والحال أن هذه الحكومة من حقها كما أكدت على ذلك الاطلاع على مضامينه.
فالمسألة لا تتعلق بسحب القانون في هذه المرحلة بقدر ما تتعلق بإحاطة الحكومة علما بمشروع هذا القانون، لكي تتخذ بشأنه القرار المناسب في إطار العمل المؤسساتي والاستمرارية وتجويد التشريع، فالأمر ينحصر في هذا النطاق، فأنا لايمكن أن أتفاعل مع هذا المشروع بدون أن يكون هناك موقف منسجم ومتوافق بشأنه داخل الأغلبية الحكومية والمجلس الحكومي.
ثمة تعديلات أخرى تضمنها المشروع كانت هي كذلك مثارا للنقاش بل وجدال في ساحة التدافع العمومي، أقصد التعديلات المتعلقة بالإجهاض والحريات الفردية، فكيف تتعاطى وزارتكم مع هذه القضايا؟
من أجل التدقيق أكثر، فإن المواد 80 المشمولة بالتعديلات بهذا المشروع ليس ضمنها ما يتعلق بالحريات الفردية لأنه عندما تقدمت قبل بضعة أسابيع بعرض أمام المجلس الحكومي حول السياسة الجنائية، كانت الغاية من ذلك القطع مع المقاربة التجزيئية، إن لم أقل التلفيقية التي تجعلنا، في كل فترة معينة، نأتي ببعض التعديلات على قانون جنائي يعود إلى بداية الستينات وتجاوزته 6 دساتر، ومنذ ذلك الوقت وقع تطور في المجتمع المغربي وفي المؤسسات وانخرطت الدولة المغربية في التزامات دولية كثيرة تخص السياسة الجنائية، كمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار في البشر وتبييض الأموال والهجرة غير الشرعية وحقوق الإنسان. وهذه التراكمات تجعل الأولوية تتمثل في التوقف كسلطة تنفيذية والتساؤل عن مدى توفر المغرب على سياسة جنائية وماهية هذه السياسة وخياراتها وأولوياتها وخلفياتها المرجعية، ونتفق .. ثم بعد ذلك نذهب إلى التعديلات في المسطرة الجنائية والقانون الجنائي والحقوق والحريات والنظام العام ومحاربة الجريمة.
لكن في غياب هذا النقاش نصبح أمام التجزيئية والظرفية، وندخل في تضخم المواد الزجرية والقوانين في غياب رؤية متكاملة ومنسجمة. فقناعتي بصفتي مسؤولا عن القطاع طرحتها بالمجلس الحكومي وهي أنه يتعين تملك سياسة جنائية، في الجانب الجنائي ليس لدينا وضوح، وكل طرف يأتي بمرجعيته واجتهاداته، على حسب الظرفية ويدخل تعديلات معينة على القانون الجنائي .. يتعين القطع مع هذه المقاربة التجزيئية، فلا يمكن أن أتحدث عن جانب الحريات ومحاربة الفساد والإجهاض وتعزيز النزاهة في المرفق العام ومحاربة الجريمة إلا انطلاقا من رؤية متكاملة.