الملك يحذر من استهلاك الأراضي العقارية على حساب الزراعية
وأضاف الملك بأن “توسع المجال الحضري، الذي يتم دون تخطيط، يحمل في ثناياه تحديات ورهانات عديدة، وتنتج عنه خسائر فادحة على مستوى الأداء الحضري، من خلال تعميق مشاكل التنقل، وكلفة التجهيز، والزحف على المناطق القروية، وزيادة الطلب على المرافق العمومية، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتدهور البيئة”.
وأوضح الملك أن “من أبرز مظاهر التوسع الحضري تزايد عدد سكان المدن، وما يواكبه من اتساع مساحتها التنظيمية، نتيجة للامتداد الأفقي والعمودي للعمران، الذي يتطلبه توفير احتياجات السكان الأساسية، من مساكن وطرق، وخدمات بمختلف أشكالها”.
إلى ذلك نبه الملك من أن “الامتداد الأفقي للمدن غالباً ما ينتج عنه استهلاك للاحتياطات العقارية على حساب الأراضي الزراعية الخصبة وذات المردودية الإنتاجية العالية، التي تتحول إلى بنايات إسمنتية، تزداد توسعاً يوماً بعد يوم؛ علاوة على ارتفاع كلفة التدبير الحضري، وضعف نجاعة الخدمات العمومية”.
وشدد الملك على أن “هذه التحولات على مستوى الحياة الحضرية ستساهم في ظهور فوارق اجتماعية ومجالية داخل المدن عامة، وفي الحواضر الكبرى خاصة، ما يساعد على بروز فضاءات هامشية تشكو من ندرة المرافق الضرورية، وضعف البنيات التحتية، وعدم تأمين الخدمات الحضرية الأساسية؛ ما يهدد التماسك الاجتماعي والاندماج الحضري”.
من جهة أخرى، أكد الملك محمد السادس أن “الحواضر العربية تتقاسم التحديات نفسها، وتتطلب تطوير آليات فعالة للتعاون، كأداة حقيقية وعملية للتضامن العربي، تقوم على تبادل الخبرات والممارسات المجدية، وتعزيز القدرات”.
ودعا الملك إلى “بلورة رؤية جماعية مشتركة حول منظومة متكاملة لإعداد التراب، تقوم على الاستشراف، وتروم ترشيد استغلال المجال والموارد المتاحة، وتساهم في إعادة التوازن للشبكة الحضرية، وتقوية قدراتها على التكيف والتأقلم مع مختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، مع العمل على تقليص الفجوة بين المجالات الحضرية والأحياء الهامشية والمناطق القروية”.
وشدد الملك على ضرورة “إرساء أسس تعمير يقوم على مراعاة الهويات والخصوصيات المحلية، ويسعى إلى بلورة مقاربات متجددة لإنتاج فضاءات متناسقة أكثر إنتاجية واندماجية واستدامة، قادرة على مواجهة مختلف التحديات والرهانات”.
ونادىت الرسالة الملكية المشاركين في المؤتمر إلى “التفكير في اعتماد آليات جديدة ومبتكرة، لصياغة منظومة حضرية جديدة، تتوخى تمكين مواطنينا من مقومات العيش الجيد، بما يعنيه من سكن لائق يحفظ الكرامة الإنسانية، وبيئة نظيفة تنسجم وضرورات النمو الاقتصادي، وتخطيط عمراني ذكي يكون الإنسان منطلقه وغايته”، على حد ما جاء في الرسالة الملكية.
ولتحقيق ما سبق، أوضح الملك أن “الأمر يتطلب القيام بالإصلاحات المؤسساتية الضرورية، التي تمنح بموجبها صلاحيات للجهات والهيئات اللامركزية، وللمبادرات المواطنة، لتقوية مساهمتها في جعل السياسات العمومية أكثر تلبية لحاجيات وتطلعات المواطنين”، إلى جانب الحرص على “أن تتميز السياسات العمومية بقدر كبير من الالتقائية، والتكامل، والانسجام، لتفادي تشتت مجهودات الدولة”.
واسترسل المصدر ذاته بأن “استدامة حواضرنا تستلزم تجنيد الطاقات والخبرات لمواجهة التغيرات المناخية، ولتحسين تدبير المخاطر المتعلقة بالكوارث الطبيعية، فضلا عن الإشكالات المرتبطة بالتخطيط المستدام وبنظام الحكامة الحضرية”.
ودعا الملك في أعقاب ذلك إلى “تكثيف الجهود من أجل توطيد التعاون، وتبادل الخبرات والتجارب بين بلداننا العربية”، معقبا بالقول: “فهي وإن كانت لكل منها خصوصياتها الثقافية المحلية، إلا أنها تتقاسم نفس الاهتمامات والتحديات، وتنهل من نفس المعين الحضاري والتاريخي، وتستشرف نفس المستقبل”.