الملك : آن الأوان لتصحيح المغالطات المرتبطة بقضايا الهجرة
وجه الملك محمد السادس، اليوم الاثنين رسالة إلى الدورة العادية الـ30 لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، التي تجري أشغالها بمقر المنظمة القارية بأديس أباباوالتي تلاها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
واستهل الملك رسالته مذكرا بعودة المملكة المغربية إلى موقعها الطبيعي، ضمن أسرتها المؤسساتية الإفريقية، معبرا في الوقت نفسه عن ” سعادته لكون أن المغرب ساهم، منذ ذلك الحين، في المبادرات والمشاريع التي أطلقت برعاية منظمتنا، وفي الاجتماعات التي عقدت في إطارها، حيث أكد الملك على تواصل جهود المغرب للدفاع عن القضايا الإفريقية النبيلة، وبأنه لن تدخر جهدا في سبيل تعزيز السلم والاستقرار والتنمية في إفريقيا “.
من جهة أخرى ، أشاد الملك “بالالتزام الإفريقي للرئيس ألفا كوندي، وبجهوده الدؤوبة على رأس المنظمة ، قائلا في هذا الصدد ” لقد نجح بفضل رؤيته المتبصرة، وقناعاته الراسخة، في منح إشعاع كبير للعمل الإفريقي الجماعي “، وأضاف الملك بأنه “لا يخامرنا أدنى شك، بأنه في ظل قيادة بول كاغامي، الرئيس الجديد للاتحاد برسم السنة الجارية 2018، ستتواصل الجهود الكبيرة لإصلاح المنظمة، وأن إفريقيا ستسمع صوتها على الصعيد الدولي خلال ولايته “،كما أكد الملك بأن بول كاغامي سيلقى كل الدعم من المملكة المغربية”.
وخلال الرسالة التي تلاها سعد الدين العثماني ، قدم الملك محمد السادس وثيقة هي بمثابة “الأجندة الإفريقية حول الهجرة”، والتي تم إعدادها وفق مقاربة شمولية وتشاركية، والتي تعد ثمرة للتشاور الدائم مع العديد من رؤساء الدول خلال المحادثات والاتصالات”.
وأوضح الجالس على عرش المملكة ، بأن هذه الوثيقة “تعكس انخراطا واسعا للفاعلين المعنيين، لاسيما من خلال عقد لقاءين مهمين بالمغرب وهما: الخلوة الإقليمية المنظمة بتاريخ 2 نونبر 2017 بالصخيرات، بمشاركة أزيد من 120 من أصحاب القرار، وممثلي المنظمات الدولية، والباحثين، وأعضاء المجتمع المدني؛ إضافة إلى المؤتمر الوزاري المنعقد بالرباط في 9 يناير 2018، بمشاركة أزيد من عشرين وزيرا ، يمثلون الأقاليم الفرعية للقارة، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية “.
كما “تتضمن هذه الوثيقة أيضا الأفكار والمقترحات والرؤى المقدمة من قبل المؤسسات الرسمية، والمجتمع المدني، والباحثين في إفريقيا، وتتميز بمرونتها وقابليتها للتطور، وعدم إلزاميتها من الناحية القانونية، حيث يتعين اعتبارها، في المقام الأول، مرجعا نهتدي به في عملنا المستقبلي، في معالجة هذا الموضوع” يقول الملك محمد السادس.
الى ذلك ، اعتبر الملك ” بأنه آن الأوان لتصحيح المغالطات ، المرتبطة بقضايا الهجرة، فلا وجود لتدفق للهجرة ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4% من سكان العالم، يقول الملك ، موضحا بأن الهجرة الإفريقية هي قبل كل شيء هجرة بين بلدان إفريقيا : فعلى المستوى العالمي، يمثل المهاجرون أقل من 14% من السكان. أما على الصعيد الإفريقي، فإن أربعة من بين كل خمسة مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة”.
“كما أن الهجرة لا تسبب الفقر لبلدان الاستقبال: لأن 85 بالمائة من عائدات المهاجرين ت صرف داخل هذه الدول، وأن الهجرة ظاهرة طبيعية تمثل حلا لا مشكلة . ومن ثم، ينبغي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأن مسألة الهجرة، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن ” يقول الملك .
واضاف الملك بأن الهجرة، “إذا تم وضعها في نطاق أبعادها الحقيقية، بعيدا من المغالطات التي شوهت صورتها بشكل مشين، تظل تحديا عالميا وحاسما بالنسبة لقارتنا. فهي تستحق مقاربة جديدة تتمحور حول إفريقيا، وتجمع بين الواقعية والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف”.
وأوضح الملك بأن “الأجندة الإفريقية حول الهجرة “فيما يخص تدبير الهجرة، تقترح اعتماد نهج قائم على سياسات وطنية، وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية، ومنظور قاري، وشراكة دولية ” كما تستلزم هذه الأجندة تغيير النموذج السائد، وتحديد مفهوم جديد للهجرة، يقوم على مقاربة استشرافية وإيجابية، وإرادة سياسية حقيقية للدول، التي من مصلحتها أن تتم عملية الهجرة في ظروف سليمة وقانونية ونظامية، تحترم حقوق الإنسان “.
في سياق متصل اقترح الملك “إحداث مرصد إفريقي للهجرة: يرتكز عمله على ثلاثة محاور : هي “الفهم والاستباق والمبادرة”. وسيعهد إليه بتطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية، من أجل تشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين. وإن المغرب ليعبرعن استعداده لاحتضان هذا المرصد “.
واقترح الجالس على العرش أيضا “إحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف بالهجرة: من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال، حيث اعتبر الملك أن من شأن “الأجندة الإفريقية حول الهجرة” أن تساهم في إغناء عملية إعداد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة”.
كما جدد الملك عبر ذات الرسالة التي تلاها العثماني ، “التزام المغرب بجعل مجموعة من اللقاءات متعددة الأطراف، منبرا لخدمة قضايا القارة الإفريقية، وعلى سبيل المثال استعداد المغرب لاستضافة أشغال المؤتمر الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة، وكذا المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، في شهر دجنبر 2018.”
وأشار الملك الى أنه منذ “سنة 2015، فقد الحياة أكثر من 6200 مهاجر إفريقي في مياه البحر الأبيض المتوسط. لذلك، فمن واجبنا أن نتحرك حتى لا تذهب سدى مآسي النساء والأطفال والرجال، الذين لقوا حتفهم في جزيرة لامبيدوزا، وحتى لا تتكرر الممارسات المشينة التي شهدتها ليبيا “.
وفي ختام الرسالة تساءل الملك قائلا “كم يلزمنا من مآسي الهجرة، حتى تتغير نظرة مجتمعاتنا ت جاه هذه المسألة ؟”، مضيفا بأنه قد صار لزاما على قارتنا، وأكثر من أي وقت مضى، أن تنكب على معالجة مسألة الهجرة بروح التضامن التام. وستكون حكمت نا والتزامنا الجماعي هما وسيلتنا الأساسية لتنفيذ الأجندة الإفريقية حول الهجرة. فالاتحاد هو مفتاح النجاح، والتعاون الإفريقي هو سبيله الحقيقي “.