مجتمع

“تمسوقت”.. واحة تنبعث من جديد بعدما أقبرتها الحرب مع البوليساريو

لقرون خلت اشتهرت كمركز تجاري، ومحطة عبور رئيسية للتجارة بين المغرب ودول جنوب الصحراء الكبرى، قبل أن يأفل نجمها وتختفي منها معالم الحياة بعد سنوات من الجفاف المتواصل، بداية القرن الماضي إبّان تغلغل الاستعمار الفرنسي.

واحة “تمسوقت” التي اعتنى بأطلالها بعض الرحل بحلول سنة 1968، تتلألأت من جديد وسط صحراء مُوحِشَة مقفرة، قبل أن تحل بها لعنة الحرب بعد حوالي عقد من إعادة إحيائها.

الواحة التي تعني بالعربية السوق، تقع على بعد 25 كيلومترا، من مدينة فم الحصن بإقليم طاطا (جنوب)، وحوالي 30 كيلومترا من مخيمات تندوف بالجزائر، التابعة لجبهة “البوليساريو”، التي تُنازعالمغرب على إدارة إقليم الصحراء.

وأواخر 2012 انبعثت الواحة من رمادها، حين قرر رجال ونساء وجمعيات المجتمع المدني بالمنطقة إحياءها، فغرسوا العشرات من فسائل النخيل، وأجروا المياه من بئر تم حفره وتزويده بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية.

انبعاث من دمار
“مبارك أوتمزيغت”، نائب رئيس جمعية “تمسوقت-تكمرات” للتنمية (غير حكومية)، يتحدّث عن أهمية الواحة، فيقول إنها صاحبة تاريخ عريق في التجارة استمر عدة قرون.

ويضيف في حديث للأناضول: “فترة السبعينات عُرفت بمجالي الفلاحة وتربية الماشية، ووصلت في أوجها إلى حد تصدير انتاجها إلى الأسواق الداخلية القريبة”.

بالعودة للتاريخ يشير “أوتمزيغت” إلى أنها كانت واحة معروفة، لكن بسبب الحرب التي شنتها “البوليساريو” على المنطقة منذ سنة 1977 اضطر الناس لمغادرتها.

ويتابع: “كانت لتلك الهجرة الجماعية أثار سلبية على الواحة، إذ انحصر جدول المياه الذي كان يمدها بالحياة، وانهارت المنازل وانحسرت الزراعة والفلاحة فتحولت إلى قفار”.

مستقبل الواحة
“إبراهيم إدموسى”، أحد العاملين في مشاريع إحياء الواحة، يقول “زرعنا 3 آلاف نخلة، في إطار برنامج إنقاذ الواحات بالتعاون مع بلدية فم الحصن، ونسعى لبلوغ خمس آلاف نخلة في أفق سنة 2018”.

ويضيف للأناضول: “خطوات الإحياء (للواحة) كانت عبر مجهودات ذاتية من خلال تمويل شخصي لتوفير فسائل النخيل، والبرامج المنجزة أعطت نتائجها الأولية المنتظرة إذ أتت 3 آلاف نخلة أكلها وظهرت ثمارها”.

وطالب إدموسى “السلطات المغربية برد الاعتبار للواحة لتكون نافذة للسياحة والفلاحة بالمنطقة”.

وعن مستقبل الواحة يذهب إدموسى إلى حد التفاؤل، ويُرجع السبب إلى “حماسة الشباب الذين حملوا مشعل إحيائها، فمنذ قرون مضت كانت “تمسوقت” محطة تجارية للقوافل القادمة من صحراء إفريقيا الكبرى”.

بدوره، يبدو “أوتمزيغت” أيضا متفائلا حيال مستقبل الواحة، فيقول “لدينا دراسة تمهد لإحداث شبكة للرّي بالتنقيط، كما ستعمل المديرية الفلاحة والصيد البحري (حكومية) على إنشاء خزّان كبير لمياه السقي”.

ويضيف: “حين تسير في الواحة ترى الحياة تدب في كل شيء، وترى أن آمال إحياء المنطقة بعد توفير الأمن والاستقرار قد تحقق بسواعد السكان، إلى جانب إسهام الدولة المتمثل في برنامج إنقاذ الواحات بشراكة مع فم الحصن”.

جمال وعنفوان
ويقول إدموسى إن “عنفوان الواحة يظهر في عراجين (قطوف) التمور التي تجود بها أشجارها، أما السير في زواياها فيظهر جمالها الساحر وطبيعتها الخلابة”.

ويتابع وصف الواحة “حين يزورها المرء يسكنه بهاء المكان وهدوءه، فيغريه المنظر بالجلوس، ويمتع سمعه بزقزقة العصافير بين الأغصان في منظر قل أن يوجد بمدن الضجيج.”

ويضيف “الجفاف المتواصل قضى على مظاهر الحياة بواحتنا قبل قرن تقريبا، لكن إصرار الأحفاد على بعث الحياة من جديد فيها كان أقوى، وحتى بعد أن هجرتنا الحرب، ها هي الواحة إلى جمالها وعطائها من جديد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى