إفتتاحية سمير شوقي
حكاية صغيرة لصفقة كبيرة!
أتسائل أحيانا كيف لحكومة أن تضع استراتيجية ما و في نفس الوقت بعض أعضائها يكسرونها وإن كان عن غير قصد. إليكم هذه الحكاية لتفهموا كيف يشتغل بعض الوزراء.
قبل أسابيع قرر محمد حصاد، وزير التربية الوطنية، أن يجدد طاولات الأقسام الدراسية بمختلف مناطق المغرب و عددها 350.000 طاولة تلاميذ و 146.000 مكتب للمدرسين و 146.000 سبورة. الوزارة أطلقت طلبا للعروض لتشارك المقاولات المتخصصة في الصفقة التي تقدر بحوالي 100 مليار سنتيم. هذا جيد جداً لأن هذه الصفقة من شأنها أن تنعش عشرات المقاولات بمختلف ربوع المملكة مما سيدفعها للإستثمار في المعدات و تشغيل آلاف الخريجين التقنيين. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، فكاتب الدولة في التكوين المهني، العربي بن الشيخ، كان له رأي آخر. هذا الرجل الذي يشغل منصب وزير في التكوين المهني و في نفس الوقت مدير لمكتب التكوين المهني، في وضعية تضارب المصالح لا تخدم الشأن العام، لكن هذه حكاية أخرى سنعود إليها.
بن الشيخ اتصل بحصاد وعرض عليه إنجاز الصفقة بأقل كلفة اعتمادا على آلاف المتدربين بمراكز التكوين المهني، فما كان من حصاد إلا أن رفع طلبا بذلك لرئيس الحكومة سعدالدين العثماني، ليوفر لمبادرته غطاء و هي حركة الرجل الذي خبر كواليس الحكومة و الشأن العام. العثماني رد بسرعة البرق مباركا مبادرة الرجلين و الأكيد أن مستشاريه إما لم يطلعوا على هذا الطلب و إذا كانوا قد اطلعوا عليه و أفتوا على رئيس الحكومة بالقبول، فيستحقون الإعفاء الفوري. لماذا ؟
لأن حصاد ما إن تلقى الضوء الأخضر من العثماني حتى ألغى كل طلبات العروض، و هو ما جعل مقاولات القطاع و الفيدرالية المنضمون تحت لوائها تنتفض بدواعي قوية. فعشرات المقاولات المعنية، كانت تعتقد أنها ستخرج من عنق الزجاجة بعد تسعة أشهر من بلوكاج الصفقات العمومية و تأخر أداء الدولة لصفقاتها، كنتيجة بلوكاج سياسي دمر الثروة و معها عشرات الآلاف من مناصب الشغل.. هذه المقاولات كانت تعتقد أن نصيبها من هذه الصفقة سيعيد آلياتها للدوران مع ما يعني ذلك من استثمار و تشغيل و باقي الإسقاطات الإيجابية على الإقتصاد الوطني. لكن سرعان ما خاب أملها، “فعلماء” الحكومة تفتقت عبقريتهم على هذا “الإختراع” دون ان يدرون بأنهم يحكمون على آلاف الطلبة المتدربون في التكوين المهني بالبطالة من الآن. أحد المقاولين المعنيين قال بغصة عميقة، كيف يريدون أن نشغل طلبتهم و هم يستغلونهم في إنجاز صفقات عمومية تدمر فرص الشغل بمعنى أن أولئك المتدربون يقضون على مستقبلهم دون أن يعرفوا ذلك، ت فماذا سيفعلوم بآلاف المتدربين و الآليات التي تم اقتناءها بالملايين بعد تسليم الصفقة لوزارة حصاد؟
هذا أصل الحكاية و رئيس الحكومة يحضر لمجلس المستشارين ليؤكد على دعم الدولة للتشغيل فيما رد عليه ممثل الإتحاد العام لمقاولات المغرب بأنه على رئيس الحكومة أن يعي بأن مقاولات القطاع الخاص هي التي تخلق فرص الشغل و بالتالي هي التي يجئ أن تحظى باهتمام الحكومة. وحتى تزداد الصورة سوريالية، كان رئيس الحكومة يطئطيء رأسه بالإتفاق مع هذا الطرح!
هذه حكاية صغيرة لصفقة كبيرة و إسقاطات درامية لأسلوب إدارة الشأن العام الذي نعيشه و الذي يدمر الثروة، وإن كان لا إراديا. فما هو دور جيش المستشارين في الدواوين الوزارية و الذي يمضي أغلبهم وقته في احتساء القهوة و قراءة الصحف، و كيف لوزراء يفتقدون لحس التحليل البسيط و الإستباقي أن يأخذوا القرارات الكبرى التي ترهن الوطن ؟ كيف ؟