إفتتاحية سمير شوقي
فضيحة بؤس عربي
في دهاليز مقر الأمم المتحدة بنيويورك حركة غير عادية، الكل ينتظر وصول رئيس أقوى دولة في العالم، دونالد ترامب. هذا التمرين الأول لرجل مزاجي بامتياز و لا يمكن لأحد أن يتوقع ماسيصرح به كان محط ترقب كبير. فلم يخب ظن الجميع، إذ من حيث الشكل لم يحترم ترامب المقتضيات التنظيمية للجمعية العمومية و المحدد توقيت التدخلات ب 15 دقيقة، فيما أخد الرجل راحته في الكلام بخطاب مرتجل فاقت مدته 40 دقيقة. في الجوهر، لم يعر ترامب أي اهتمام بالخطاب الديبلوماسي وصار يوزع التهديدات بتدمير دول و مهاجمة أخرى لتكون الرسالة واضحة للعالم بأسره، لقد انتهى زمن “الهوان” الأمريكي أيام أوباما و حان وقت التشدد والهيمنة و إن كان الثمن دخول حروب مدمرة، تؤدي ثمنها دول بالوكالة، هي بالأساس دول عربية.
بالنسبة للعرب، فقد كانوا مرة أخرى الحلقة الأضعف. ففي حين كانت تدخلات العديد من قادة دول العالم تتحدث عن التنمية المستدامة و تجويد منظومة التربية و الإستفادة من الطاقات المتجددة و تحديات المناخ و مستقبل الثروات الطبيعية و الحلول البديلة، كان العرب ينصبون لبعضهم الفخاخ و يمارسون الوشاية ضد بعضهم و يستعملون عبارات حربية لوصف بعضهم و العالم يتفرج في هذا البوس الغير مسبوق.
في نفس الوقت، كان رئيس الكيان الصهيوني يمارس هوايته المفضلة في الإتصال برؤساء الدول ليشكوهم “همجية و إرهاب العرب”، كما ذكرت صحف أمريكية، ليستجدي المزيد من التعاطف مع أنه لم يعد بحاجة لذلك. فلقد انصرف العرب لتدمير بعضهم البعض في عملية كسر عظام لن تبقي و لن تذر. فدول مجلس التعاون الخليجي انشغلت في كلماتها الرسمية بتوجيه أصابع الإتهام لبعضها بخصوص التدخل في شؤون الدول و دعم الإرهاب، ولعل مندوبو دول العالم الذين كانوا ينصتوا لهم خرجوا بخلاصة مفادها أن كل تلك الدول داعمة للإرهاب تكريسا للمقولة المغربية الشهيرة “ماشافوهمش كيسرقو شافوهم كيقسمو”!
مسؤولو دول الخليج كان همهم إقناع عرابهم الكبير، دونالد ترامب، كل بوجهة نظره، فيما الرجل يُسمع كل طرف ما يريد سماعه، و بالمقابل يطلب المزيد من المال تحت الطاولة، و في قرارة نفسه يقول مرحباً بهكذا أزمة و يا ليت أخرى مثلها تتفرخ هنا و هناك.
العرب واصلوا مسلسل الرداءة بتكريس صورة الأمة الممزقة بين أنظمة فاسدة ترشي أقوياء العالم لتحافظ على كرسيها، ولا يهم كم التنازلات من أجل ذلك ولا تمريغ كرامة بلدانهم في التراب، و بين رؤساء دمروا نصف بلدانهم و أعادوها للقرون الوسطى فقط للحفاظ على منصب رئاسة لم تعد سومته تبلغ أكثر من قيمة الكرسي الذي يجلس عليه، و لعل نموذج سوريا و اليمن هو الأبرز.
وفود العالم تابعوا بغير قليل من الشفقة سلسلة استجداء السلم بليبيا و العراق وسوريا و اليمن، ولم تسمع ولا كلمة واحدة لما يصطلح عليه بجامعة الدول العربية التي غابت عن الإجتماعات الجانبية التي نظمتها العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية في القاعات الجانبية لمقر الأمم المتحدة.
المناوشات العربية العربية تواصلت بتحركات المغرب و الجزائر في الكواليس بخصوص موضوع الصحراء لتزيد الشرخ العربي اتساعا و لتغذي السمعة السيئة لعالم عربي لم يعد يحمل من اسم العالم و الأمة سوى اسم مفترى عليه. وزاد في الطين بلة زلة لسان رئيس مصر الذي قال ” إن مصر تصر على أمن و سلم المواطن الإسرائيلي، من أمن و سلم المواطن الإسرائيلي” مُسقطا على الشعب المصري أي علاقة بالموضوع!
هذا هو حال العرب في خارطة العالم و هذا ما جعل قادتها يكرسون في مخيلة الكون أن الدول العربية إما دول فقيرة مُصدّرة للمآسي و الإرهاب، و إما دول غنية غير مسؤولة و لا تدري ما تفعل بثروة تتحكم فيها كمشة من الأمراء دون أي توزيع للثروة ولا لربط المسؤولية بالمحاسبة، و دول غارقة في التخلف و الديكتاتورية.