إفتتاحية سمير شوقي
اللاعقاب يغذي الرشوة و الفساد
الرشوة، الفساد، المحسوبية، ربط المسؤولية بالمحاسبة، هذه هي العناوين الكبرى للخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية. و هي العناوين التي لا تحتاج لا لتشريح و لا لتحليل لأنها صارت تحصيل حاصل، و هيا جميعاً لنمر عليها واحدة واحدة.
الكل يجمع اليوم على أن الرشوة هي الآفة التي تدمر المجتمعات و هي التي تجر المغرب للخلف رغم محاولات الإصلاح و خطابات المساحيق. فعدالة القضاء المغربي التي طالب بها الملك في خطاب أول أمس و ضرورة تطبيق الأحكام التي نادى بها في خطاب البرلمان للسنة الفارطة، يغيبان بشكل يجعلان من القضاء المغربي واحد من أكثر المنظومات القضائية رشوة في العالم. و إلا كيف يذكر ملك البلاد في كل خطاب بضرورة تفعيل العدالة و المساواة في القضاء. أما مسألة إصلاح هذه الآفة برقم أخضر فهو يضحك على نفسه كي لا نقول أنه يريد تمويه المغاربة، لأننا أدرى “بخروب بلادنا” و نعرف كم قضايا عادلة خسرها أصحابها و كيف يتنطط بيننا أنه بؤ أموال عمومية ضبطوا بالحجة و الدليل.
هذا يحيلنا على النقطة الثانية و هي بحر الفساد هذا الذي سيغرق البلاد برمتها و الجميع يتفرج عاجزا غير قادر على المبادرة، و كل واحدة ينتظر المبادرة من الآخر. شخصياً سألت رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مرتين عما سيفعله لمحاربة الفساد، فصعقت لتركيزه على دور المواطن أكثر من زجر الدولة. و عندما قلت له إن الصحف المغربية تعج بقضايا فساد كبيرة بالحجة و الدليل، و وضعت بين يديه نموذج لتلك الفضائح و بطلها اسم معروف، قال ببرودة الطبيب النفسي أن على النيابة العامة أن تقوم بعملها، و هو لا يعرف أن نفس النيابة العامة و ضعت الملف في درجها و انصرفت لأشياء أخرى، و سنرى ما سيفعله عبد النبوي هو الآخر في هكذا ملف و آخرون. إن معضلة الفساد لن تحل إلا بتفعيل القانون بشكل صارم، و الملك تحدث عن الصرامة بنبرة حادة، و هنا نعود لمن سيطبق هذا القانون إذا كان القضاء الموكول له ذلك خرج من الخيمة “مايل”. هكذا يبدو المغرب تائه في دائرة مغلقة و لن تكون له كائنة دون قضاء نزيه يضع المتقاضين على نفس المسافة ، ولا يجهض حق طرف لمحاذاة جهة أخرى من بوابة “عدم الإختصاص”. النموذج الآخر الذي يكسر الدينامية الإقتصادية للبلد هو الصفقات العمومية. فهناك موظفون صاروا من أثرياء البلد دون أن يجدوا من يطرح عليهم سؤالا بسيطا : من أين لك هذا يا هذا ؟. و واهم من يعتقد أن قانون الصفقات قد وضع حدا لمحيط الفساد الذي يغمرها. ففي الشكل قننت الأمور لكن في الجوهر لم يتغير شيء، و هكذا صارت صفقات تسري على “الحبايب” بأقل عرض لكن بعد ذلك يتم اللجوء للمصاريف التكميلية، خرج المسطرة، حتى يصبح المبلغ الإجمالي الضعف و أحيانا أكثر. و قد قتلناها مرارا و تكرارا، لو كانت للدولة إرادة حقيقية لوضعت مسطرة خاصة لمراقبة الصفقات الكبرى و ابدأوا من العاصمة، حيث ترسو صفقات الأشغال العمومية بمآت الملايير على نفس الشركة منذ سنوات ولا أحد كلف نفسه التساؤل، كيف و لماذا؟ و يمكننا أن نستفيض في النماذج لكن لا حياة لمن تنادي.
أما بخصوص المحسوبية، فالمغاربة كلهم يعرفون كيف أنها صارت العملة الوحيدة الكفيلة بتحقيق ركوب المصعد الإجتماعي، و لعل نموذج الوزيرة التي أرادت أن تمرر لزميلها في الحزب صفقة بمليار و نصف يتكلف بها مكتبه الذي لم تمر على إنشائه سوى أسابيع هي أكبر دليل على انه لا أمل يرجى من بعض المتسلطين على الطبقة السياسية، و أن فشل رئيس الحكومة في إقالة هذه الوزيرة هو فشل للسياسة ككل.
تبقى النقطة الأخيرة و هي ربط المسؤولية بالمحاسبة و لعلها العبارة التي جاء بها دستور 2011 الأكثر استعمالا، لكنها تبقى دون أدنى تطبيق. ففي مشهد سوريالي خطير طبع فيه المغاربة مع الفساد، صار عاديا أن ترى رئيس بنك عمومي متابع باختلاس أموال عمومية يرفض تلبية دعوات قاضي التحقيق و في نفس الوقت يدير أعماله بكل حرية، كما أن المدير العام لمؤسسة عمومية كان سببا في إفلاسها يواجه تهما ثقيلة بالإختلاس، يمارس رياضة المؤلف و يلتقي كبار المسؤولين بمن فيهم الأمنيين دون أن بحاسبه أحد. و لعل هذين النموذجين هما الصورة الحقيقية لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بالمغرب، و كل عام و المغرب أجمل بلد في العالم!