إفتتاحية سمير شوقي
“حوار الحضارات بين الأغلبيات و المعارضات”
السياسة بالمغرب أكبر إشاعة، أحزاب تتطاحن من أجل الفتات فيما جهات لم تعد ترض لها حتى بهذا الفتات، بينما انشغلت أحزاب أخرى في “حروب أهلية” لن تبقي و لن تذر. الغريب أن كل هذا يقع أسابيع قليلة بعد خطاب العرش الذي كان يفترض أن يفضي إلى تجميع كل الأحزاب لهيئاتها التقريرية و تشريح الوضع و وتنزيل خطط لإحداث ثورة في العمل السياسي. و هكذا شاهدنا “حرب الصحون الطائرة” في حزب الإستقلال الذي كان يعتبر حزب الفكر التقليداني و الإنضباط التنظيمي، يا حسرة. و سيكون على نزار بركة أن يعيد لحزب علال الفاسي هيبته التي ضاعت في براثين البلطجة التي حولها بعضهم لأسلوب للقيادة، و هذا أكبر تحدي يواجهه التقنقراطي الوديع، نزار بركة، و الذي عليه كذلك أن يسارع للإستقالة من المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي حتى يعطي للسياسة معنى.
أما حزب الأصالة و المعاصرة فيعيش “حرب الطوائف” التي تذكر بأيام وهن فيها حكم المركز بالأندلس فصار كل واحد يرسلنفسه حدوداً لمملكة لا توجد إلا في مخيلته حتى اندلعت حرب المماليك التي أحرقت الأخضر و اليابس من تحت أقدام كل المتصارعين. و في الواقع، إذا كان عطب الولادة سيظل يلاحق هذا الحزب للأبد بالإضافة إلى فضيحة اعتماده على الريع السياسي كآلية استقطاب، فإنني لم أكن أتوقع أنه بمجرد إعلان الأمين العام للحزب عن استقالته ستندلع حرب ضروس بين تيارات كانت كاتمة أنفاسها، لكنها تفضح نفسها اليوم و تؤكد أنها عبارة عن مجموعة وصوليين و انتهازيين يتنازعون عند اقتسام الغنيمة. و وسط كم الإتهامات الخطيرة هاته لم يجد النائب العام للمملكة أن الأمر يستحق فتح تحقيق للوقوف عن الحقيقة تاركا الرأي العام يلعن السياسيين و ينعثهم جملة و في قفة واحدة باللصوص. و لعمري فإن هذا التجاهل هو قمة تبخيس العمل السياسي.
في حزب العدالة و التنمية، الإخوان يخوضون صراعا من طينة أخرى داخل تياران على طرفي نقيض من قضية التمديد من عدمه لعبد الإله بنكيران. لكن المفارقة أن لا أحد يجرأ على الخروج بوجه مكشوف ليعبر عن وجهة نظره بكل وضوح، إذ يمارس الكثير من قيادات الصف الأول رياضة “التقلاز” من تحت الجلباب. و كم كنت أتمنى أن يخرج بعضهم بأي صيغة ليشاركوا في نقاش للأفكار، و ليس بالضرورة حرب لكسر العظام، و ليتنصروا لسمو الأفكار البناءة و تدبير الخلاف. فأي قيادات هاته و هي لا تجرأ حتى أن تقول أمام الملأ أنها مع استمرار بنكيران أو ضده، من حيث المبدأ و ليس ضد شخص الأمين العام الحالي، و الكل يختبيء أمام مبررات منهجية لم تعد تنطلي على أحد. وحده الرباح خرج بتصريحات رسمية و علنية يؤكد فيها موقفه من هاته القضية.
أما لدى حزب التجمع الوطني للأحرار فهناك إشكالية أخرى، فعزيز أخنوش الدي يريد تغيير منهجية القيادة و جلب تعاطف أكبر من لدن المغاربة، حتى يجنب الحزب الإنتكاسات الإنتخابية التي توالت في المحطات الثلاثة الأخيرة من مختلف الإستحقاقات، فيواجه نيران صديقة من داخل مكتبه السياسي. فأخبار بعض “قياديي” هذه الهيئة التقريرية العليا لم يقدروا شرف الإنتماء لها و لا دقة الظرف السياسي الذي يمر منه الحزب، فصاروا يملأوا الصفحات الأولى للجرائد الوطنية بفضائحهم المالية و مواجهتهم لاتهامات ثقيلة بتكالب بعضهم على المال العام و ثقل ملفات بعضهم لدى وكلاء الملك بل حتى مثول بعضهم أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية! فيكف يستقدمون غذا لطلب ثقة المواطن و تقديمهم له وعودا بصون الأمانة؟
الإتحاد الإشتراكي يعيش أزمة من نوع خاص، فالقيادة أجهضت كل الأصوات المشاكسة حتى صار حزب المهدي و عمر و عبد الرحيم مشوه الهوية بلا روح ولا مشروع، يقبل أن يلعب دور الكومبارس البئيس و الإحتماء بأحزاب كانت قياداته التاريخية تنعثها بأحزاب “الكوكوط مينوت” الإدارية!
و المشاكل و الصراعات تهم أحزاب أخرى لا داعي للتفصيل فيها، فيكفي أنه في “دكان سياسي” يفتقر لأدنى شروط الممارسة السياسية هناك تصدعات من أجل كرسي قيادة همه الوحيد المتاجرة في التزكيات مرة كل خمس سنوات!
و أخيرا، فثلاثة أشهر بعد خطاب العرش الذي يزكي قناعة الرأي العام الوطني، لم يخرج أي من الأحزاب السالفة الذكر بنقد ذاتي يكون محركه الأساسي لتطوير آدائه، لذلك فلا تنتظروا شيء من هاته الكائنات السياسية الميتة التي لا يمكن إلا أن تكرهك في العمل السياسي، و هي خلاصة أكثر مرارة من تجرع السم لدى كل ديموقراطي يؤمن بأنه لا ديموقراطية إلا بالأحزاب السياسية (ديال بصح).