أزمة قيم
شغلت العملية الإجرامية بمراكش الرأي العام المغربي بصفة عامة نظرا لاعتبار طبيعة الجريمة دخيلة على المجتمع المغربي. لذلك حظيت تطورات القضية بمتابعة إعلامية كثيفة، و هنا مربط الفرس.
فإذا كان رواد شبكات التواصل الإجتماعي غير مقيدين بأخلاقيات المهنة، فإن الأمر مختلف بالنسبة لوسائل الإعلام.
في هذه القضية، نقف على أمرين يثيران الريبة بالنسبة لقيمنا المجتمعية سواء من طرف المواطن العادي أو من قبل نوع من الصحافة التي صار واضحا أن لديها أولويات أخرى بعيدة كل البعد عن أبجديات مهنة الصحافة.
عندما نشر الخبر في الدقائق الأولى التي أعقبت الحادث، كان منتظرا أن يخلق “البوز” بالنظر لاستعمال سلاح ناري…”البوز” الذي تعزز بسرعة كبيرة بصور الضحايا و أعقبته فيديوهات من عين المكان كان واضحا أن من يلتقطها كان قريب جدا من المقهى إياها و أنه سبق رجال الأمن. الغريب أن المواطن أو المواطنين الذين التقطوا تلك الصور فعلوا ذلك بدم بارد وكأنهم يلتقطون صورا سياحية، في وقت كانت فيه جثة الشاب القتيل مدرجة بالدماء بالإضافة إلى ضحيتين أخريتين تصارعان الموت!
هذا السلوك الغريب يحيلنا على أزمة قيم داخل مجتمعنا، إذ لم تعد للموتى حرماتهم و لم يعد مكان للحس الإنساني أمام أفضع فاجعة و هي فقدان لإنسان حياته في ظروف درامية.
السبق لنشر الخبر على شبكات التواصل الإجتماعي صار للتباهي دون أدنى حرج من دنائة التصرف و يبدو أن أبناء مجتمعنا قد تجردوا من آدميتهم و صارت يحكمهم عدد “الجيمات” و “التعليقات”، و هذا لعمري انفصام مجتمعي خطير. و قد عاينا مسؤولين بارزين في البلاد يتسابقون على نشر تطورات القضية على التويتر في وقت كان عليهم، كل في دائرة مسؤوليته، أن يلتحقوا بمكاتبهم و ينسقوا بشكل رسمي مع مخاطبيهم كل من منصبه.
الخطير أن جل وسائل الإعلام المكتوبة لم تحترم أخلاقيات المهنة. فالصحافة الإلكترونية كانت في سباق محموم مع شبكات التواصل الإجتماعي في نقل أخبار غير مؤكد و ترويج الشائعات و نشر صور الضحايا بشكل مكشوف دون أدنى احترام لحرمة الأموات و الجرحى و احترام مشاعر عائلاتهم. لكن الطامة الكبرى سجلتها الصحافة المكتوبة الورقية عندما طلعت جلها بصور كبيرة للضحايا على صدر صفحاتها الأولى في خطوة متهورة تدوس الأعراف المهنية. هذه الخطوة الغير مفهومة و كان قد مر على الحادث 36 ساعة استهلكت تلك الصور ملايين المرات و لم تعد حتى مادة صحفية تحمل أي جديد او “بوز”.
نسأل الله اللطف و حسن العاقبة في الأمور لأن ما يحيط بنا يدمر كليا ما تبقى من قليل قيم مازالت تقاوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.