إفتتاحية سمير شوقي

لحسن حظ الوطن

أكدنا في هذه الزاوية، الأسبوع الفارط، انه من تحديات المغرب ولوج دهاليز منظمة الاتحاد الأفريقي و استثمار أنصاف الفرص الديبلوماسية لتكريس الموقع المغربي الجديد بأفريقيا. أسبوع بعد ذلك جاءنا الرد السريع عندما وقع الملك محمد السادس على “ضربة معلم” حقيقية على أكثر من صعيد.

 أولاً، أفشل استفزازات البوليزاريو التي كانت تمني النفس أن يتخذ المغرب سياسة الكرسي الفارغ احتجاجاً على توجيه الدعوة للكيان المزعوم، فخاب ظنهم عندما فطن المغرب للمقلب و قرر ليس فقط المشاركة  بل الحضور بأعلى المستويات، و كان العاهل المغربي في قلب صورة قادة أفريقيا و أوروبا.

 

ثانياً، حظي حضور الملك لقمة أبيدجان الأوروبية الإفريقية باهتمام قادة الدول المشاركة، لأنها الأولى من نوعها، و التي انتظرت منها القمة الإضافة إلى ما سبق، خاصة و أن المغرب من الدول الإفريقية القليلة التي تبنت سياسة هجرة معلنة و ملتزمة، بأهداف واضحة. إضافة إلى انتشاره إفريقيا مؤخراً و تبنيه أولوية التعاون جنوب-جنوب بمبدأ رابح-رابح، مما مكن المملكة الشريفة من أن تطأ بشكل ناجح أشد القلاع المناهضة للوحدة الترابية و هي إثيوبيا و نيجيريا. 

 

ثالثاً، فاجأ الملك أكثر المتفائلين بشأن الديبلوماسية الإفريقية و هو يستقبل أكبر خصوم الوحدة الترابية، رئيسي جنوب أفريقيا و أنغولا في مقر إقامته و يتفق مع زوما على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. و لعمري كانت هذه اللحظة أقوى لحظات المؤتمر بامتياز، و لعلها أفقدت البعض الشهية!

 

أعود سنة للخلف، عندما كنت أغطي عودة المغرب للإتحاد الإفريقي بأديس أبابا، حيث عاينت كيف ناور جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا، في كل الاتجاهات و أبدى مقاومة شرسة ضد عودة المغرب لبيته بين أهله، و كيف وظف في ذلك زوجته السابقة التي كانت رئيسة للمفوضية الإفريقية، والتي رمت بكل قواها حتى لا يدخل الملك محمد السادس قاعة المؤتمر و هو منتشي بفوز دبلوماسي. و بعد كل الذي عاينته، إذاك في كواليس القمة، فقط، أدركت أن الديبلوماسية المغربية صارت آلية قوية فعالة تعرف جيداً متى تقدم الخطى و متى تكتفي بالملاحظة و التمحيص، لذلك أجد نفسي مقتنعاً تمامًا بأن قبول أشد أعداء المغرب لملاقاة الملك في مقر إقامته وراءه عمل جبار غير مرئي، لكنه جد مجدي.

 افت

و مع ذلك، علمتنا التجارب أن نبقى متيقظين لأن الجارة الشرقية كلما استشعرت بطوق العزلة يشتد عليها إلا و رمت بكل الأسلحة مكرهة في الساحة. جواب المغرب لن يكون إلا دبلوماسيا و اقتصادياً كما دأب على ذلك خلال الخمس سنوات الماضية. اقتصادياً، على المغرب أن يلعب ورقة الإستثمارات المختلطة المنتجة في أكثر من قطر. نموذج مركب تصنيع الأسمدة الذي أطلقته  OCP بشراكة مع الحكومة الإثيوبية وسط أكبر دول القرن الإفريقي (120 مليون نسمة)، و كذلك الشأن  بالنسبة لأنبوب الغاز بشراكة مع أكبر دولة إفريقية اقتصادياً و ديموغرافياً (170 مليون نسمة)، نموذجان يجب استثمارهما على أفضل شكل بالإضافة إلى الانفتاح على دول كان المغرب غائبا فيها لأكثر من نصف قرن.

أما دبلوماسيا، فيجب أن تكون سنة 2018 تحت شعار مرحلة جديدة لصداقة متينة مع جنوب إفريقيا. هكذا سيكون المغرب قد كسر محور الجزائر-نيجيريا-جنوب إفريقيا دبلوماسيا مما يتيح له فرص اقتصادية واعدة،  داخل كل القارة، لا شك أنها ستكون  حاسمة في مستقبل القضية الوطنية.

 

في المحصلة، لا يمكن أن تجني النتائج إلا و أنت داخل “المعمعة”، و هذا  يكرس فشل سياسة الكرسي الفارغ التي صارت من الماضي، لحسن حظ الوطن، في انتظار محطة  حاسمة أخرى، أديس أبابا الشهر القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى