إفتتاحية سمير شوقي
عام آخر خسرناه، و بعد!
يوافق يومه الإثنين أول أيام العام الجديد 2018، و هي فرصة، أولاً و قبل كل شيء، للوقوف عن حصيلة عام راح بكل سلبياته و إيجابياته.
مغربنا العزيز بحاجة لمثل هاته الوقفة لقراءة متأنية في تاريخه القريب خاصة و أن العام المنقضي كان مليئاً بالرجات الإجتماعية و السياسية و إسقاطاتها الإقتصادية الكثيرة و المتشعبة. لا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال و يحجب عنا واقع أن المغرب مازال يبحث عن أفضل وصفة في مختبر الديمقراطية بعد أن تأكد أن الإنتقال الديمقراطي صار مسلسلاً مملاً لا ينتهي منذ أزيد من خمسة عشر سنة.
العام 2017 أكد بالملموس أن المغرب يسير بسرعتين متناقضتين. سرعة الديبلوماسية التي أكدت نجاعتها عبر نجاحاتها بأفريقيا. و كان تدبير ملف عودة المغرب لعضوية الإتحاد الإفريقي أحسن مثال لهذا النجاح الذي أعد على نار هادئة قبل خمس سنوات من خلال مبادرات قوية منها المبطن و منها المعلن. و لعل الوضع الإعتباري الذي صار المغرب يحظى به في القارة الإفريقية أفضل مؤشر على نجاح هذا التوجه الذي كان الحدث الأبرز للعام الذي ودعناه. على النقيض من ذلك، تحبل الجبهة الداخلية بمشاكل لا تعد و لا تحصى.
اقتصادياً، لم يستطع المغرب بعد من التخلص من نموذج تنموي صار متجاوزاً على الأقل منذ خمس سنوات، و قد تم الإقرار بضرورة تفعيل نموذج جديد على أعلى المستويات، ومع ذلك لم يحمل قانون مالية 2018 أي مؤشر على رغبة الحكومة في هكذا تغيير، و مازال المغرب يعول كثيراً في تدبير أموره على القروض الأجنبية التي تثقل كاهل الميزانية العامة بالفوائد.
اجتماعياً، لم تجد الدولة بعد الوصفة الناجعة لتقليص الفوارق الإجتماعية و تحقيق التوزيع العادل للثروة. أكثر من ذلك، الأغنياء يزدادون غِنى و الفقراء يزدادون فقراً، و الطبقة الوسطى تتفكك و تنضم جحافلٌ منها لملايين الفقراء بشكل يهدد السلم الإجتماعي. مقابل ذلك، أبانت الحكومات المتعاقبة أنها عاجزة عن حل معضلة البطالة و احتواء مئات الآلاف من الخريجين سنوياً و الذين يعززون صفوف العاطلين اليائسين الغاضبين. لذلك برزت احتجاجات إقليمية بالحسيمة و بزاكورة و بجرادة، عولج بعضها بالصدمات و تم تجاهل الأخرى.
سياسياً، كرست مجريات السياسة بؤس المشهد المغربي و انتهازية الأحزاب و جبن النخب و نفور المواطن من كل هذا العبث. فلا صوت المواطن يُحترم ولا نتائج الإنتخابات تفرض ذاتها ولا الأحزاب تمارس استقلاليتها ولا الناخب يجد اختياراته في تركيبة الأغلبية. لذلك كله، عبر المواطنون بشكل صريح عن نفورهم من الإنتخابات من خلال رد فعلهم عبر شبكات التواصل الإجتماعي من جهة و من خلال مقاطعتهم للإنتخابات الجزئية (بين 6 و 8٪) من جهة أخرى.
و حتى تكون الصورة شبه كاملة فلا بد أن نذكر أن العام 2017 كان بشعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” و هو الشعار ذو البعد الدستوري الذي لم يطبق على أرض الواقع بشكل يقطع مع الريع، و يفتح تحقيقا عاما يضع بموجبه تحت المجهر كل المشاريع الكبرى التي رُصِدت لها العشرات من الملايير و التي لم تفضِ إلا لفشلٍ وراء فشلٍ. و يكفي أن نذكر بأن جل الصحف المغربية تحدثت عن تبديد ميزانية مشروع إصلاح منظومة التربية و التعليم و التي بلغت 45 مليار درهم أي ما يعادل 5 مليار دولار، و هو ما يعادل مداخيل السياحة لسنة كاملة. و يبدو أن هذا الرقم لم يستفز أحدا و لذلك لا يستحق أن يُفتح بشأنه تحقيق ولا أن يهتم به جطو و قضاته!
لا نريد أن نكون متشائمين ، لكن الحال لا يحيلنا على أدنى مؤشر يجعلنا نتفائل بالعام 2018، لذلك قد يكون العام الجديد مجرد رقم آخر ينضاف إلى عدد المحطات التي أخفق فيها بلدنا على المستوى الداخلي.
و مع ذلك كل المنى أن تكذبنا مجريات 2018، و كل عام و أنتم بألف بخير.