إفتتاحية سمير شوقي
رجال دولة من زمن آخر
بعد الضجات التي خلقتها بعض تصريحات وزراء و مسؤولين سامين، قال أحدهم لمحيطه ما مفاده أنه لن يتحدث بعد اليوم مع الصحافة. و كأن الأمر يتعلق بمنة مع أنه من واجب أي مسؤول أن يتواصل مع الرأي العام من دافعي الضرائب، في حين أنه في بقاع أخرى من هذا العالم المسؤولون يجرون وراء الإعلام لإبلاغ الناس بمخططاتهم و كيف ينفذون ما وعدوا به.
قبل أيام طلبت من الطالبي العلمي، وزير الشباب و الرياضة، إجراء حوار حول قضايا الشباب و الرياضة و تنظيم كأس العالم، فرد الرجل : “لا يحق لي أن أتحدث في ملف كأس العالم” تم طلب مهلة أسبوع تم أسبوعين و ثلاث و في الأخير قال لي : “صراحة لا رغبة لي لخروج إعلامي لأسبابٍ خاصة، ربما يكون ذلك بعد شهرين أو أربعة أشهر أو سنة، أعد الإتصال بي لاحقاً”.
تفهمت موقف الوزير و احترمت اختياره و ضربتُ لَهُ موعداً بعد أشهر. لكن كم كانت دهشتي كبيرة و أنا أفاجأ به ينظم ندوةً صحفية، بعد يومين فقط من تصريحه لي، تحدث من خلالها و أسهب في تفاصيل ملف ترشيح المغرب لكأس العالم 2026.
كيف يمكنك أن تحترم مسؤولاً سامياً يمنحك تصريحاً يناقض نواياه و أفعاله و أي مصداقيةٍ تبقت له بعد هكذا تعامل مع وسائر الإعلام. لكن كيف لك أن تنتظر من هكذا وزير تعاملاً مخالفاً و هو لم يحترم حتى التزاماته مع مؤسسة الحكومة و مع الدولة ككل في ملفٍ شديد الحساسية يشرف عليه ملك البلاد شخصياً، ألا و هو ملف كأس العالم 2026. ففي القصة بأكملها، الحاجة الوحيدة التي كان فيها صادقاً معي هي قوله أن لا حق له في الحديث عن ملف كأس العالم.
لكن، ما الذي وقع، أياماً قليلةٍ بعد ذلك، حتى سارع الرجل، في غفلةٍ من الجميع، بتنظيم ندوة صحفية قدم فيها للصحافة معطياتٍ عن ملف ترشيح المغرب جلها مغلوطة؟ لقد عرض المغرب لنيران الفيفا مادام الحديث في الملف مخول فقط لا غير للثالوث مولاي حفيظ العلمي، الذي عينه ملك البلاد رئيساً للجنة الترشيح، و فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، و هشام العمراني، مدير لجنة الإشراف. خلف الرجل بتصرفه اللامسؤولية هذا تدمرها داخل اللجنة و غضباً لدى رئاسة الحكومة و حتى في مستوياتٍ عليا، و مازال يتلكؤ في إصدار بلاغ توضيحي ، كما طُلِبَ منه، لإصلاح ما يمكن إصلاحه من معطياتٍ مغلوطة، بينما تحاول اللجنة تدبير اللخبطة التي تسبب فيها و هي التي كانت تُعِدٌ لتقديم تلك المعطيات بتنظيم و سيناريو عالمي و تفاصيل مضبوطة.
أحترم كثيراً مسؤولين و وزراء يعتذرون بلطف و يحددون مواعيد لاحقة تتجاوز أحيانا الشهر، و يلتزمون بعد ذلك بوعدهم، كما أحترم أولئك الذين يرفضون أحيانا و هم يكشفون بصراحة عن عدم رغبتهم في الحديث “في هذه الظرفية”، و إن كُنْتُ غير متفقٍ مع هذا الطرح للأسباب التي ذكرتُ أعلاه. فالوزير و المسؤول السامي رجال دولة تحسب عليهم خطواتهم و تصريحاتهم و وعودهم .
قصة الطالبي العلمي ماهي إلا نموذج من تصرفات رجال دولة من زمن آخر، ابتليت بهم السياسة و مازالو ها هنا رابطون، لا هم في مستوى المسؤوليات الملقاةِ على عاتقهم، ولا هم ملتزمون بتعهداتهم ولا هم راغبون في ترك المجال للشباب … ليكونو وزراءً للشباب في حقيبةٍ للشباب.
ولا_حول_ولا_ قوة_إلا_بالله