إفتتاحية سمير شوقي

درس البيجيدي بالجديدة

مالذي وقع للبيجيدي بالجديدة؟ فبين أكتوبر 2016 و ماي 2017، أي بعد ستة أشهر فقط، انطفأ المصباح بشكل مثير بحيث انتقل من فوز كاسح لسقوط مدوي.

هذا هو الواقع و الأرقام لا تكذب أما القراءات و التأويلات فتختلف حسب التموقعات و القناعات. مرة أخرى، الواقع يؤكد أن التحليل السياسي المحايد لابد أن يسبر أغوار أسباب هذا التغيير الجذري في فترة زمنية قياسية. و هنا، شئنا أم أبينا، لا يمكن أن  نفصل ما حدث عن السياق السياسي الذي عرفه المغرب خلال الستة أشهر الماضية. و أستغرب كثيراً عندما أرى بعض المسؤولين عن الحزب المعني ينشرون على الموقع الرسمي للعدالة والتنمية تبريرات لا تستقيم حتى لا أقول أنها تحتقر ذكاء المغاربة.

وهكذا كتب أحدهم بأن “استنتاجات عدم الفوز بالجديدة إما أنها تجهل آليات التحكم في نتائج الإنتخابات و كيف يتم التلاعب بها، أو إنها تروج لأمانيها المتعلقة بموت حزب المصباح”. مثل هاته الكتابات “البيجيدية” خطيرة على مستقبل الحزب لأنها تعني أن أعضائه غير واعين بصعوبة المرحلة وما يحذق بالحزب من خطر العواصف، و عوض الرمي باللوم على الآخرين عليهم القيام بالتحليل المتزن و استخلاص الدروس.

ولعل أي طالب مبتدأ في العلوم السياسية سيستنتج خلاصتين بديهيتين على الأقل. أولا، على الدولة أن تقرأ جيداً نسبة المقاطعة و أن لا تعزف على نغمة خصوصية الإقتراع الجزئي. رسالة الناخبين بالجديدة واضحة و حتى مؤلمة، و مفادها فقدان الثقة و المصداقية جراء ما عاشه المواطن خلال الستة أشهر الماضية من مزايدات سياسية و انبطاحات و تصارع على اقتطاع الكعكة توجت بعبث هجين.  ثانياً، على البيجيدي أن يتحلى بالتواضع و الإعتراف بالهزيمة و تشريح أسبابها و التواصل الجدي بخصوصها حتى يتمكن من تجاوزها إلا وظل حبيس منطق لن يؤدي به إلا لمزيد من الإندحار. 

إن الإستمرار برمي التهمة لما يسمى بالتحكم كلما كانت النتائج معاكسة لتوقعات البيجيدي، وينطبق هذا على كل الأحزاب، إنما هو جبن سياسي و احتقار لإمكانية المواطن المغربي من معاقبة أي حزب سياسي يرى أنه خان أمانة صوته الذي هو سلاحه الوحيد. وأتسائل لماذا يسكت البيجيدي عن هذا التحكم عندما تصدر انتخابات 2016 وعاد ليلوح بها بعد أول سقطة له.  إن من ينكر بأن البيجيدي قاد المفاوضات بشكل سيء من طرف بنكيران، الذي ظل يرفض الأحرار علنا و يفرش لهم السجاد الأحمر سرا، و من طرف العثماني الذي حطم رقما قياسيا في التنازلات ولم يقدم على أي مجهود، ولو بسيط، ليحفظ للعبة السياسية النزر القليل من المصداقية المتبقية لها، كمن يدفن رأسه في الرمال.

 نعم، هذا المسلسل صار خلفنا، لكن واهم من يعتقد أن ذاكرة المغاربة صغيرة و يراهن على نعمة النسيان. سنة 2020 غذا، وستشهد استحقاقات المحليات و الجهويات و سنرى   خلالها أجواء التعبئة و نسبة المشاركة و نوعية الخطاب و استحضار دروس الستة أشهر الماضية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى