دروس الحراك
حراك الريف هو أول تجربة، بعد الربيع العربي، يخوضها المغرب في معالجة الأزمات الإجتماعية و يواجه فيها موجات غضب شعبية، و بالتالي يعتبر تمرين مهم لاختبار تدبير الأزمات و استخلاص العبر.
في الشق الأول هناك نجاحات و إخفاقات. فتدبير الأزمة كان ضعيفا منذ اندلاع شرارتها الأولى، إبان مقتل محسن فكري، بحيث لمس تهاون من طرف السلطات المحلية في التعاطي مع أولى صرخات الغضب. و قد كان لافتاً النبرة المتعالية التي خاطب بها عامل إقليم الحسيمة المعتصمين وسط المدينة تم امتناع الوالي التوجه لعين المكان قبل أن يفعل ذلك بتعليمات مركزية و بعد أن انفلات العقد. وزاد الطين بلة عندما سب قائد إحدى الجماعات القروية المحتجين بكلام ناب بإيحاءات جنسية دون أن ينال أدنى عقاب.
واضح إذن أن تسلسل هذه الهفوات في الأربعة أشهر الاولى، التي واكبت مسلسل البلوكاج الحكومي الذي كان يسترعي باهتمام الإعلام و عموم المواطنين، عقدت من مأمورية عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية الجديد، الذي ورث كرة من لهب. في المقابل لابد أن نستحضر أن السلطات الأمنية عمدت إلى ضبط النفس، و لعمري هي تعليمات مركزية، مما جعلها لا تفقد السيطرة على الوضع و تتجنب ما من شأنه أن يشعل الوضع و يزيل به إلى مآلات مؤسفة.
في الشق الثاني، يجب استحضار الأسباب التي قادت لهذه الأزمة لاجتتاثها من جذورها و تفادي إعادة السيناريو بجهة أو منطقة أخرى. و هنا علينا أن نتذكر كيف وصل لهيب الإحتقان للرباط و كيف كان لزاما إرسال وزراء للإنصات للساكنة، عموما و منتخبي و مجتمع مدني، لنزع فتيل التوثر. ولعل أهم الدروس التي حملها معهم أولئك الوزراء للعاصمة هي صعوبة التحاور مع الناس بحيث سيتذكر المغاربة كثيراً مقولة “ما عندي بو الوقت” و كيف انخرط رئيس مجلس جهوي في نقل تظلماته لوزير الداخلية في جلسة مفتوحة للعموم في وقت المفروض فيه أن يكون جزء من الحل لا جزء من المشكلة. وهنا مربط الفرس، فالوضع الذي بدا فيه ذلك الرئيس يحيلنا على انعدام ممارسة المجالس الجهوية لصلاحياتهم الدستورية و استمرار ولاة الجهات في التحكم في كل صغيرة و كبيرة بالجهات. ولازلت أذكر أنه خلال أحد اجتماعات جمعية رؤساء الجهات، التي يترأسها امحند لعنصر، انتفض إلياس العماري أمام باقي زملائه من رؤساء الجهات قائلا :”لا يمكن أن تكون كائنة لهاته الجهات مادام مازالنا تحت رحمة الوالي و الوزير و هو وضع غير مقبول و يتعارض مع نص الدستور”. مرت أكثر من سنة على هذا الإجتماع و الوضع يبرح مكانه لأن الجهاز التنفيذي، إبان ترئسه من طرف عبدالإله بنكيران، تلكأ كثيراً في إخراج النصوص التطبيقية التي تطلق أيدي رؤساء الجهات و خاصة فيما يتعلق بتطبيق صلاحيات الآمر بالصرف، حتى وصلنا فترة البلوكاج التي زادت في تهميش الجهات و حتى احتقار صلاحياتها. نتيجة هذا الوضع هو أنه عندما احتاجت الدولة لتفاعل المنتخبين مع السكان لاحتواء الوضع لم تجدهم، لأنهم بكل بساطة فقدوا مصداقيتهم من خلال ضيق ذات اليد، ففاقد الشيء لا يعطيه. و هكذا أفقدت الدولة نفسها إحدى أهم الحلقات في الإحتقان مما عرضها لمواجهة صريحة و مباشرة مع الشارع مع ما يحمله ذلك من مجازفات لا حصر لها.
الآن، يجب على سعد الدين العثماني أن يفعل المقتضيات الدستورية بأقصى سرعة حتى يتسنى للمجالس الجهوية أن تلعب أدوارها كاملة، و كذلك حتى يعود الولاة للحجم الذي يخوله لهم الدستور دون الإعتداء على صلاحيات المنتخبين و إذلالهم أمام منتخبيهم و هي المقاربة التي أثبتت فشلها و كادت أن تؤدي لما لا يحمد عقباه. الكرة الآن في مرمى الحكومة و لا مناص من أن تحسن التعامل معها، فذلك لم يعد ترفا.