إفتتاحية سمير شوقي

الفساد الذي قهرنا

أعلنت الحكومة عن خلق اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد مهمتها تنزيل الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال. كلام كبير تعودنا عليه لكنه لم يفض لشيء حتى أن بنكيران رفع الراية البيضاء وهو الذي بنى مجده على محاربة الفساد.

الآن يجب منح هذه الحكومة فرصتها لكن من المؤكد أن انهزامها هي الأخرى سيكون كارثة على البلد لأنه سيؤجج شعوراً  بالإحباط لدى المواطن المقرون باليأس من مسؤوليه، مع لكل ذلك من تبعات، و في نفس الوقت سيمنح أجنحة للفاسدين الذين سينمو لديهم إحساس باللاعقاب و أنه بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاؤوا. لذلك، فإن هذا القرار هو حدث كبير، و إن مر باهتا للأسف بسبب ظروف حراك الريف، و الأمل كل الأمل أن ينجح العثماني فيما فشل فيه بنكيران.

لكن ذلك لن يتأتى لا بالخطابات و لا بالنوايا و إنما بالإرادة السياسية الحديدية لأن ذلك يقتضي اتخاد قرارات صارمة و حتى قاسية. الفساد هو الذي يجر الأمم للخلف و القضاء عليه هو الذي جعل دول تقفز للأعلى في فترات قياسية كنموذج كوريا الجنوبية و تركيا. لذلك لا مناص للعلاج بالصدمات و بعث إشارات قوية للمواطنين و للفاسدين على السواء. للمواطنين لينخرطوا مع الحكومة للدفاع عن مصلحة الوطن العليا و هي التي تتطلب التضامن الكلي. وللفاسدين حتى يدخلوا جحورهم و يكفوا عن استفزاز المواطنين بالتبجح بفسادهم دون حسيب، في انتظار الإنقضاض عليهم.

الإرادة السياسية لحكومة العثماني تقتضي منح اللجنة المذكورة الإستقلالية الكاملة، وجعل ترؤسها من طرف رئيس الحكومة إجراء مسطريا ليس إلا، بتطعيمها بكفاءات حقوقية و قضائية و إعلامية و من المجتمع المدني مع مدها بالوسائل الكفيلة بإنجاز مهامها في أحسن الظروف. لكن أساسي جدا أن تنكب مباشرة على الملفات الكبرى العالقة و التي تمرغ سمعة الدولة في التراب، والقطع نهائيا مع سياسة “عفى الله عما سلف” التي كرسها بنكيران.

فهل سيكون بإمكان العثماني أن يعيد خالد عليوة للزنزانة التي غادرها قبل ثلاث سنوات ليومين فقط فتوارى عن الأنظار ليومنا هذا و صار يمارس حياة عادية و ينشء شركات و يستفيد من صفقات عمومية و هو متابع، رهن الإعتقال، بتبديد أموال بنك عمومي تقدر بالملايير؟ هل يستطيع العثماني أن يعيد فتح ملف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الذي تبخرت من ماليته أكثر من مائة مليار درهم، أي ما يعادل ثلث المديونية الخارجية للمملكة، دون أن تتم متابعة اسم وازن واحد؟ هل بإمكان العثماني أن يفتحص آلاف الهكتارات من ضيعات صوديا التي منحت مجانا لشخصيات نافذة مدنية و عسكرية و التأكد من احترام دفتر التحملات لأن معظمها ليس كذلك؟ سيكون العثماني نعم رئيس الحكومة و سيجد وراءه كل المغاربة و هو يسخر آلية المجلس الأعلى للحسابات للزجر و الضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه أن يعبث بالمال العام وأن لا يقتصر عمل مجلس جطو على  جماعات صغيرة و ملفات على ضيق في حين أن الفساد المالي يستشري في مؤسسات كبيرة و في ميزانيات تقدر بملايير الدراهم أو أن يكتفي بأصدار تقارير دون متابعات تزيد من فقدان أمل المواطنين في العدالة الإجتماعية. دون ذلك، ستكون هذه اللجنة كسابقاتها تكتفي بملفات صغيرة و ببلاغات إدانة تنشر من حين لآخر في وقت لا يعيرها المفسدون أي أهمية بينما يخسر الوطن أمواله و نموه و فرص أبنائه في الشغل و الحياة الكريمة و العدالة. و في الأخير، لا يمكن لأي غيور على الوطن إلا أن يتمنى للجنة العثماني النجاح و بلوغ الأهداف، لأن مآلات فشلها لا يعرفها إلا الله عز و جل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى