من له المصلحة في استمرارالاحتقان؟
من له المصلحة في استمرارالاحتقان في بعض الأماكن في الحسيمة؟ للإشارة، فإن ما حدث في الأيام الأخيرة من عنف واصطدام حصل في نقطتين بالإقليم.
في جميع الاحتقانات والاحتجاجات في العالم، وحتى في أكثرها دموية، تأخذ الأطرافالمختلفة والمتصارعة، كيفما كانت مواقعها ومواقفها واصطفافاتها، فسحة من الهدوء للتفكير والبحث عن الحلول ومنح الوقت للحكماء وغيرهم للمساهمة في إيجاد الحلول.
أماعندنا فيحدث العكس. فمع كل مبادرة كيفما كان مصدرها، لترتيب الأجواء والنظر في مطالب المحتجين،تتم مؤاخذة الأطراف المبادرة، ولا تتم الاستجابة لها من الجميع،بل على العكس من ذلك،يتم تعقيد الأمور وتأزيم الأوضاع.
من له مصلحة في إحراق هذه المدينة الجميلة؟ومن يريد إطفاء أنوار الحسيمة؟
أدرك مثلما يعرف الجميع، أن الاحتجاج سواء عندنا في الحسيمة أو في باقي أجزاء الوطن أو الخارج، يكون لهدف معلنيتمالتفاوض لأجل تحقيقه، ويتم الأخذ والرد، وتقدم التنازلات مقابل تنازلات مضادة، بغية الوصول إلى الحلول… وغالبا ما يكون من الصعبالوصول إلى حلول نهائية،حيث لا يتم إرضاء الجميع، ويكون هناك حرص على الاستجابة لمصالح الساكنة بالتدرج وفق الإمكانات الحقيقية المتوفرة.
لذلك أعيد التساؤل: من له المصلحة فيما يحدث؟
المشهد الآن بالحسيمة محزن، فمن جهة هناك القوات العمومية التي تجوب في الشوارع والأزقة، وهدير محركات مركباتها مفزع، وعلامات الغضب بادية على وجوه أفرادها في ظل الظروف الصعبة التي يعملون في إطارها.
ومن جهة أخرى، هناك جماعة من المحتجين،أغلبهم لا يتجاوز عمره 18 سنة، يحملون نفس تقاسيم قوات الأمن، بأجسادهم النحيفة ووجوههمالمتجهمة، تصدح حناجرُهم بمطالب مشروعة.
وفي الجانب الآخر، تجلس نخب المدينة لتتابع الأخبار والمستجدات،سواء في شوارع المدينة أو من خلال الهواتف الذكية…
لست لا اختصاصيا نفسيا ولا خبيرا أمنيا، لأبحث في خبايا ما يحدث، ولأبحث عن صاحب المصلحة فيما يحدث، وسبق أن كتبت عن تجار الحروب والأزمات، وعن توظيفهمللمآسي لأغراض تجارية وسياسية…
هل يحق لي أن أوجه نداء لجميع الأطراف للجلوس إلى مائدة الحوار؟
بصدقأنا لا أعرف حتى لمن أوجه النداء: هل للذين يظهرون في واضحة النهار؟ أمللذين يتحركون تحتأضواء المصابيح ليلا؟أم أوجهه لمن لا تراهم عيناي؟
أرجوكم أخرجوا للعلن، ولا تختبئوا وراء الستار…أعلنوا عن أهدافكم الحقيقية.
من غير المعقول أن يعتقل العشرات من المحتجين وغير المحتجين، من القادة المفترضين ومن غير القادة، ومن غير المقبول أن يجرح العشرات من الأمنيين، ونستمر في عد جرحانا ومعتقلينا، ونرفع شعار إطلاق السراح وإيقاف العنف.
لايمكنأن نصل إلى تحقيق مطلب إطلاق السراح ووقف العنف إلا في لحظة إرساء الهدوء، فمن هم هؤلاء الذين لا يريدون الهدوء؟
إن أمهاتنا وشيوخنا وأطفالنا يصيبهم الرعب، ليس لما يرونه في الواقع، ولكن لما يتابعونه على هواتفهم المتطورة من صور للجانبين تتجاوز ما هو موجود في الواقع.
أرجوكم يا من يقف وراء ما يحدث،إذا كان هناك فعلا من يقف وراء ما يحدث، فلتخرجوا من صمتكم وتعلنوا حقا ماذا تريدون. إذا كان هدفكم تدمير المدينة، فلماذا يا ترى؟
إذاكان تحييد بعض الأشخاص ممن تعتقدون أنهم محسوبون على دوائر ضيقة، فهم مستعدون للحفاظ على جمالية وهدوء وتاريخ المدينة.
أتوسل من الذين يلوذون إلى الصمت، أو الذين يقفون لمتابعة الأمور ميدانيا وافتراضيا،أو الذين يشاركون فيما يحدث،أن يدركوا أنه ليس بالعنف ولا باستمرار الاحتقان أن نحرر أنفسنا ونحقق ما نتوخّاه من طموحات ومطالب.
أرجوكم… الجميع باتوا بحاجة إلى هدنة وفسحة ولو قصيرة؛ من أجل تجميعالقوى واسترجاع ما ضاع من مساحات التفكير الهادئ في عقولكم.وحتىإن لم نصل إلى حلول،فعلى الأقل سنتمكن من بلورة آراء صحية ومفيدة.
كنت قررت التوقف عن الكتابةخلال هذه الأيام،ووجدت نفسي أتراجع عن قراري ليس بدافع المسؤولية التي أتحملها، فهي في نهاية المطاف عابرة ومؤقتة، ولكنمدفوعا بالواجب تجاه بلدي وأهلي ومدينتي… فليست لنا أرض ثانية، ولا بلد آخر لنا غير هذا الذي نعيش فيه.
لذلك أرجو من الذين يقرأون ما أكتب من الأصدقاء الذين يدعون لي بالصحة والتوفيق، ومن غيرهمممن قد لا يريدونني حتى أن أكون موجودا فوق الأرض، المساهمة كلا من موقعه وبما في استطاعته لرسم لحظة هدنة تفتح المجال للجميع من أجل التوصللحلول ناجعة للجميع، حلول لا يكون فيها غالب ولا مغلوب.
إلياس العماري, رئيس جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة