أين المغرب من أزمة الخليج؟
مايقع اليوم بين دول مجلس التعاون الخليجي لا يسر أي عربي. لقد كانت هذه الدول نموذجا للوحدة و التضامن و الإستقرار، بالنظر لتشابه أنظمة الحكم و تقارب الحكام، مما كان ينعكس بالإيجاب على القضايا العربية الكبرى و على رأسها القضية الفلسطينية.
و نحن في المملكة المغربية تعودنا أن نتقاسم مع أشقائنا في الخليج المواقف في العديد من الملفات انطلاقا من العلاقة التاريخية للملكة المغربية مع أقطار مجلس التعاون الخليجي. والكل يتذكر كيف كانت المملكة من أوائل الدول التي نددت بغزو العراق للكويت و أرسلت قوات رابطت بحفر الباطن بالمملكة العربية السعودية. و كيف قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع إيران تضامنا مع البحرين و فعلت الشيء ذاته مع الإمارات العربية ضد إيران. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، لا بد أن نذكر بالموقف التابث لدول مجلس التعاون الخليجي من قضية الصحراء بحيث دعمت دائماً الموقف المغربي ماديا و معنويا. هذا الإنسجام بلغ مداه عندما اقترحت دول المجلس على المملكة المغربية الإنضمام للمجلس، كعضو كامل العضوية. من أجل كل ذلك، يجد المغرب نفسه اليوم في موقف حرج، رغم أنه أعلن منذ بداية الأزمة استعداده للوساطة لتقريب وجهات النظر.
المشكل يزداد تعقيدا للأسف يوما عن يوم، مما يزيد تصدع الصف العربي و يغرقه فرقة و هوان، و سيزداد الوضع استفحالا بمحاولة كل طرف استمالة دول عربية ليقوي صفه. لذلك ليس مهما أن نغرق في التحليل لنصل لمن هو المخطيء و من هي الضحية و ماهي المسببات، لأنه في الأخير ليس هناك رابح بقدر ما هناك خاسرون و هم كل أعضاء مجلس التعاون الخليجي. هذا الأخير سيخرج من هذه الأزمة على الأقل بنذوب لن تندمل قبل سنوات و على الأكثر بخراب و دمار لن يبقي و لن يدر، و هذا ما ينتظره أعداء الأمة الإسلامية و العالم العربي. و المتمعن في مسببات الأزمة و مسارات معالجتها سيجد تقاطعات كثيرة مع مروجي نظرية الفوضى الخلاقة الذين يضعون أعينهم على غاز و بترول الخليج و هذا ما يجب أن ينتبه إليه الأشقاء في المجلس و حتى يستحضروا خطاب الملك محمد السادس في قمة الخليج المنعقدة بالرياض أبريل 2016، و الذي كان مباشرا و دون لف و دوران و هو يقدم تشريحا للأخطار المحدقة بالعالم العربي. لذلك، يصعب أن نستوعب أن ما يقع اليوم هو بمعزل عن هذا السياق العام.
كيفما كان الأمر، لا يسع المرء إلا أن يتمنى أن تنتهي هاته الغمة في أقرب وقت و أن يتم تركيز كل الجهود على التنمية البشرية و الإزدهار الإقتصادي و تقليص التبعية التكنولوجية و الإهتمام بالشباب و دمقرطة الحياة العامة. هذه هي التحديات الكبرى التي يواجهها العالم العربي و الباقي مجرد ترف ديبلوماسي يمكن أن يطوى بنفس السرعة التي فتح بها.
أما المملكة المغربية، بدورها المحوري في العالم العربي و علاقاتها التاريخية مع دول مجلس التعاون الخليجي، فلا يمكن إلا تبقى على نفس المسافة من كل الدول الشقيقة مع إمكانية العمل على رص الصفوف و إعادة المياه لمجاريها. و كل محاولة لاستمالتها من طرف جهة ضد أخرى ستلقى الفشل الدريع. فالمملكة المغربية، بثقل اثنتي عشر قرن من الحضارة و التاريخ، لن تكون في يوم من الأيام حطبا للتفرقة العربية لأن دورها دعم اللحمة و التكتل، لذلك كانت في أكثر الفترات تشنجا إما فاعلا من أجل رأب الصدع أو على الأقل على قدر من الحياد الإيجابي.
و يبقى الأمل أن ينآى قادة الخليج بالعالم العربي من مآلات مؤلمة نحن جميعاً في غنى عنها.