الحكومة العثمانية
“أنا أنا، وهو هو”…هكذا هو حال سعد الدين العثماني الذي عاد لدائرة الأضواء ولن يسلم حتما من مقارنته مع عبد الاله بنكيران. في الواقع لسعد الدين العثماني شخصية مختلفة تماماً عن سلفه، لكنه سيخيب آمال من يعتقدون أن هذا الطبيب السوسي حملا وديعا قابلا للتطويع. فما إن خرج الرجل من القصر حتى غزا شبكات التواصل الاجتماعي و خلصت الأغلبية على أن الرجل “ظريف” لا تفارق الابتسامة محياه. من المؤكد أنه لبق و يختار كلماته بعناية ولا يقوم بتجريح حتى أشد الخصوم.
في المقابل،العثماني لا يتنازل بسهولة ولا يتوانى عن التعبير عن رأيه بصراحة حتى وإن كان سيغضب مخاطبه. وقصة خروجه من وزارة الخارجية دليل على مزاج الرجل بحيث عندما طلب منه بطريقة غير مباشرة بأن يتنازل عن جزء من صلاحياته ليوسف العمراني، كاتب الدولة آنذاك، حمل هاتفه و كلم رئيس الحكومة طالبا إعفائه، و ما إن لاحت فرصة التعديل الحكومي عقب خروج الاستقلال يونيو 2013 حتى تم له ذلك، بل أكثر من ذلك رفض وزارات أخرى عرضت عليه من باب التعويض لكنه لم يقبلها انسجاما مع قناعاته كما حكى لي قيادي في العدالة و التنمية. سعد الدين العثماني غير متلهف على المناصب ولكنه كذلك ليس زاهدا فيها و هذا منطق السياسة السليم، لذلك أجزم أن من يراهن على “سهولة” الرجل أو استعداده لخدلان حزبه قد يصدم فيه لاحقا. الأيام القليلة القادمة ستعطي أولى الإشارات عن ذلك، بحيث كل المؤشرات تسير اتجاه تشبته بروح بلاغ الأمانة العامة الصادر الخميس الماضي، أي بشكل مباشر لن يقبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على “جثة” عبد الاله بنكيران، و هو موقف الأمانة العامة و المجلس الوطني المنعقد يوم السبت. تم لا بجب أن ننس أنه مكلف لأن الحزب هو الذي تصدر الانتخابات و ليس العثماني هو المتصدر.
في الواقع إنه آن الأوان أن يوضع حد لخمسة أشهر من المعاندة السياسية والأنا المتضخم لدى بعض الساسة على حساب مصلحة الوطن. القريب للمنطق هو منح الأغلبية السابقة فرصة استكمال أوراشها وتحمل مسؤوليتها و بالتالي سيسهل عليها وضع برنامج العمل و الإعلان عن التركيبة الحكومية في أجل 15 يوما. أما إذا عدنا لمنطق كسر العظام بفرض إضافة أو استبعاد هذا الحزب أو ذاك، فإننا نكون أمام وضع شاذ لا يفكر من خلاله أحد في مصلحة الوطن المفترى عليها. الملك احترم نص الدستور و حتى التراتبية داخل حزب العدالة و التنمية، فلتتحلى الأحزاب بنفس هذه الروح وتتجنب مسببات المطبات. لذلك، سيكون من الأجدر بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يحافظ هو الآخر عن سمعة تاريخه ويعلن عدم استعداده للانضمام في حكومة أحد أضلاعها الأساسيين يرفضه، و بالتالي سيكون قد سهل تشكيل الأغلبية و جنب البلاد الدخول في نفق مظلم. الأيام القليلة القادمة ستؤكد إلى أي حد يحرص ساستنا عن مصلحة البلد و هل سنغلق نهائيا قوس هذا المسلسل الرديء الذي ابتدأ مند صبيحة 8 أكتوبر 2016.