إفتتاحية سمير شوقي
السياسة و الوطن
رغم أن حزب الاستقلال لم يحسم في إسم الأمين العام الجديد، إلا أن هذا لا يمنع من التمعن في تمرين مؤتمر هذا الحزب العتيد و ما سبقه و ما واكبه و ما سيعقبه. لقد بدا واضحا منذ عام من الآن أن حميد شباط قد أحرق أوراقه كاملة عندما تمرد رافضا الإنضمام لحلف يسقط بنكيران غداة الإعلان عن نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة. ما أعقب ذلك مجرد تفاصيل في حياة أحزاب تقبل الإملاءات في ظروف معينة، و عندما تحاول أن تلعب ورقة الإستقلالية يتم تدكيرها بأنه لايمكن قبول أن تعض اليد التي صنعت هذا الإسم أو ذاك. هذا حال شباط الذي جيء به في سياق معين، و نفس الشيء بالنسبة لإدريس اشكر، ليلعب دور المعارض الشرس لعبدالإله بنكيران فصدق نفسه و صار معارضا بلاحدود و معاكسا لكل من يتحرك حتى أنه أصبح مزعجا حتى لمن دفعه للواجهة.
لذلك تعتبر القراءات التحليلية لما يقع في حزب الإستقلال من البساطة التي لا تحتاج لنبوغ خارق. فهذا حمدي ولد الرشيد، واحد من أعيان الصحراء حيث ينعث بالبابا Le Pape و الذي بزغ نجمه ليلعب الأدوار التي رسمت له بدقة متناهية. فهو الذي ناصر و دعم شباط و كان رقما مهما في تفوقه على عبد الواحد الفاسي قبل خمس سنوات، و كوفيء بعد ذلك ببسط سيطرته على جهتين على قدر بالغ من الحساسية و هما جهتا الصحراء (العيون و الداخلة) مع ما يواكب ذلك من نفوذ و امتيازات و حظوة على أعلى المستويات. الرجل، و على خلاف شباط، ظل وفيا للخطوط المرسومة حتى أنه قبِل أن يكون الآلة التي عليها أن تدمر حليفه (السابق) و ينقلب عليه انسجاما مع البوصلة التي توجه الحزب لهذا الإتجاه أو ذاك. لذلك كان تيار ولد الرشيد هو الذي يوجد دائماً في مواجهة تيار شباط، و لأن نزار بركة هو مرشح النخبة في الحزب فإنه لم يكن ليحتاج أن يورط نفسه و يلطخ يديه في العنف اللفظي و الإشتباك بالأيدي لأن أنصار ولد الرشيد قاموا بذلك بالوكالة، لمواجهة نفس الأسلوب الذي قاد في يوم من الأيام شباط لمقر النقابة و بعدها لقيادة الحزب، أسلوب الكلاب الشرسة و السلاسل و الفتوات، أسلوب قمع الأفكار و قتل السياسة.
في المحصلة، لا يهم اليوم من يقود هذا الحزب، فحفدة علال الفاسي أعطوا صورة سيئة للعمل السياسي، إذ بعد توالي الدسائس و المؤامرات توجت الرداءة بمعارك ضارية بالكراسي و الصحون الطائرة داخل فضاء المؤتمر. صورة كانت الحدث الأبرز في شبكات التواصل الإجتماعي تفاعل معها بشكل سلبي حتى أولئك الذين لا يهتمون لا بالسياسة و لا بالأحزاب!
و سيكون من المفيد لأولئك الذين يشرفون على الحياة السياسية بالبلد، كل من موقعه، أن يطالعوا بإمعان ماكتبه الشباب من تعليقات ترمي بقتامة سميكة على مستقبل البلد السياسي و تضع، للأسف، كل الأحزاب في نفس السلة حيث تطغى الأنا و المصلحة الذاتية و حساب الربح و المكاسب، و هي الصورة التي، شئنا أم أبينا، سترمي بظلالها القاتمة على مستقبل السياسة بالبلاد و كل ما يرتبط بذلك من قريب أو بعيد. فلا يمكن أن نبني ديمقراطية حديثة نموذجية تجعل المواطن هو مركز الإهتمام و الأولوية، و نعطي صورة البلد المتحرك و الحي الذي يتفاعل فيه مواطنوه مع محيطهم و مع مستجدات هذا العالم الكبير الذي يعيشون فيه، بهكذا نماذج من الفعل السياسي و تبخيس و حتى قتل السياسة.
المحللون السياسيون عليهم، اليوم، أن يقوموا بدورهم الذي يتجاوز النقد و الإشارة بأصابع الإتهام لكل الأحزاب، و ذلك بالتوثيق وبالوقوف على كل ما وقع في المشهد السياسي في العشر سنوات الأخيرة ، بالمتغيرات التي وقعت قبيل الربيع العربي في خارطة الأحزاب المغربية و المغزى من ذلك، و الزلزال الدي خلفته موجات الثورات العربية و إسقاطاتها على المشهد السياسي المغربي ، و كيف عادت حلمية لعادتها القديمة ما إن خمد دخان الثورات و زاغ عن سكته التي رغب فيها المواطن العربي.
الإستحقاقات القادمة في سنة 2021، و ليس أمام المغرب سوى سنتين على الأكثر لتقويم الإعوجاج. ففي سنة 2019، على أبعد تقدير، ستتكون لدى المغاربة فكرة واضحة عن مستقبل السياسة بالمغرب و بالخصوص ستتضح الصورة عن النموذج الذي اختاره البلد، و سيكون على الأحزاب كذلك أن تختار السياسة بمدلولها المتعارف عليه عالميا أو أن تختار الخنوع و الإنتحار.
إذاك سيتحمل كل واحد مسؤولية اختياراته، و سيسجل التاريخ على كل طرف مواقفه. ففي الأخير سيرحل الجميع، و سيظل الوطن يحتفظ بصحيفة كل واحد تتداول أوراقها الأجيال عد الأجيال.