إفتتاحية سمير شوقي

المفهوم الجديد لربط المسؤولية بالمحاسبة

 ما وقع في المشهد السياسي الأسبوع الفارط كان ضرورياً، و هو شيء إيجابي،  لكن لا يجب أن نعتبر الأمر ثورة في الحكامة و نتغنى بالحدث و ننصرف لانشغالاتنا بنفس التسيب و نفس الإختلالات.
الآن، بعد انصرام فترة وقع المفاجأة، لا بأس أن نحلل ثنايا القرار بتروٍ  و بدون تجنٍ ولا تشفي ولا نظرة حزبية ضيقة. القرار ضرب أركان حزبين و هز أعمدتهما و هما الحركة الشعبية و التقدم والإشتراكية. فهل يعني ذلك  أنه  في العدالة و التنمية و التجمع الوطني للأحرار لا يوجد سوى الملائكة؟ و هل الوزارات الأخرى غير المعنية بالعقوبات المعلنة هي جنة في احترامها لإلتزاماتها؟ بكل تأكيد لا هذا و لا ذاك، و لا يوجد في القنافذ أملس.

ففي مشروع منارة المتوسط، و قد زرت الإقليم قبل ستة أشهر و ذهبت لعدة مواقع كان مفترضاً أن تكون أوراشاً مفتوحة، لم تكن الجرافات قد وصلته بعد! و يمكن الجزم أن وزارات أخرى و مصالح خارجية و هيئات منتخبة و سلطات محلية كانت كذلك مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن التقصير الذي كاد أن يفجر الأوضاع بعد غضب شعبي جارف. و قد تبين للرأي العام الآن أن حراك الريف جاء بوازع مطالب اجتماعية هي نفسها التي لم يتم إنجازها، كما يقر بذلك تقرير ادريس جطو، لذلك يمكن اعتبار ذلك الحراك احتجاجاً اجتماعياً عادياً، شيْطنته تصريحات متهورة  لمسؤولين حزبين على أعلى المستويات في صفوف الأغلبية الحكومية، و كانت هي المسؤولة عن احتقان الوضع.

في المحصلة، لدينا قرارات “تأديبية” غير مسبوقة يجب أن تتلوها قرارات أخرى تهم المقصرين من الصف الثاني، بعد أن يتم استنفاد الصف الأول،  وعلى رأسهم مسؤول السلطة المحلية الأول بالجهة. و لتكن “عقوبات الريف” بداية لمسار يهم كل مناحي الحياة العامة بالمغرب، و باقي الجهات التي تعج بالتجاوزات و الإختلالات حتى في مشاريع ملكية.

فلا يعقل أن يستمر كل هذا التسيب الذي ضرب الأحزاب و حولها لوكالات لتوزيع التزكيات البرلمانية و الوزارية بالملايين و أحياناً بالملايير. لم يعد مستساغاً أن تعتمد الأحزاب على الأعيان و أصحاب الشكارة و تسقطها مباشرة على المكاتب السياسية و تبعد الطاقات الشابة في بلد أكثر من ثلثه شباب. كما صار غير ممكنٍ السكوت على سياسة اقتصاد الريع الذي تزكيه في الكثير من الأحيان السلطات المحلية  بالسكوت على التجاوزات و منح الإستثناءات و تجاهل احتجاجات الرأي العام و انتقادات الصحافة.

ما وقع الأسبوع الأخير يجب أن يكون مقدمة لربط المسؤولية بالمحاسبة ، لكن هذا لن يتأتى إلا بترسيخ للمبادئ العامة لدولة الحق و القانون و أساسها المساواة أمام العدالة. هاته الأخيرة هي من سيؤتمن على كل هذا، و لعمري فإن غياب قضاء مستقل و نزيه لسوف يجعل من كل ما أسلفناه  أضغاث أحلام.

ماحدث يجب أن يضع كل مسؤول بالمغرب أمام المحك، كل من موقعه، أمام مسؤولياته بالعمل على محاربة اللاعقاب و إقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة و كشف الحساب أمام الشعب و القضاء على الفساد. غير ذلك، سنظل  تائهين في حلقة مفرغة  تضيع معها  أجيال و أجيال.

المغرب بحاجة لمفهوم جديد لربط المسؤولية بالمحاسبة، يقطع مع فترة جعل من هذا المفهوم فيها  مجرد شعار حتى ظن كل المسؤولين أن لاشيء يتهددهم مهما فعلوا و زاغوا.   و زاد من حدة ذلك، الإحباط الشعبي الذي أفرزه  الإفلات من العقاب لدى شخصيات بارزة متابعة قضائيا و تصول  و تجول دون أن تسطيع يد القضاء أن تطولها فيما آخرون لا يسائلهم القانون رغم كم القضايا المرفوعة ضدهم و “أطنان” المقالات  المنشورة بخصوص “مغامراتهم” مع المال العام!

في الأخير، إن تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من عدمه،  هو  الإختيار بين أن نكون أو لا نكون.
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى