ها هي الثروة..
و أخيراً تم الإفراج عن تقرير الثروة الإجمالية للمغرب و الذي تم إنجازه من طرف المجلس الاقتصادي و الإجتماعي و البيئي من جهة و بنك المغرب من جهة أخرى.
الخبر الجيد في نتيجة التقرير هو أنها تضاعفت منذ العام 1999، و هو ارتفاع مهم له مسبباته.
الخبر السيء هو أن التقرير لا يقدم إجابات شافية عن سؤال “أين الثروة؟”، في وقت يموت فيه مغاربة من أجل كيس دقيق بخمسين درهماً.
في المحصلة التقنية لإجمالي الثروة المقدرة ب 12900مليار درهم، يعود النموذج الإقتصادي المغربي ليبرز محدوديته في إنتاج ثروة أكثر وفق ما هو متاح للبلد من معطيات. وإذا ما أخدنا بالإعتبار النقاش الدائر الآن بخصوص إعادة النظر في النموذج التنموي، خاصة بعد ورود ذلك في خطاب ملكي و القفز عليه من طرف طبقة سياسية انتهازية كانت حتى الأمس القريب تقول بأن المشكل ليس في النموذج التنموي، يمكن أن نثوق لتحسن المؤشرات خلال العشر سنوات المقبلة، شريطة أن تضمن توزيعاً عادلاً للثروة، انطلاقاً من خمس عناصر هامة.
أولاً، ارتفاع نسبة تصنيع السيارات ل 80% مقابل حوالي 50% حالياً.
ثانياً، تحسن تموقع صناعة قطاع الطيران بكسب أسواق جديدة.
ثالثاً، انتقال المكتب الشريف للفوسفاط من أول مصدر للفوسفاط لأول مصدر للأسمدة في العالم، بمعنى ارتفاع كبير في القيمة المضافة و انعكاس ذلك على النسيج الإقتصادي بصفة عامة.
رابعاً، الإشتغال على رفع الصادرات لمستويات مؤثرة سيراً على النموذج التركي حتى لا أقول الكوري.
خامساً، بلوغ الجهوية للسرعة التنموية المرجوة و بدأ إفراز أولى إسقاطاتها الإيجابية على الإقتصاد و المجتمع.
هذه بعض من شروط بلوغ صفة الإقتصاد الصاعد émergent و المغرب له من المقومات أن يكون اليوم الأول أفريقياً من حيث نسبة الجلب attractivité اقتصادياً و سياحياً و استثمارياً و الثاني في منطقة شمال افريقيا و الشرق الأوسط بعد الإمارات. كما يمكنه أن يكون ضمن الأربعين في تصنيف Doing Business.
لكن ذلك لن يتحقق إلا بالجواب الفعلي عن سؤال “أين الثروة؟”، و ذلك بالإنتقال من استعمال مفاهيم كأساس للخطاب السياسي إلى تفعيل لمباديء دولة الحق و القانون. كيف ذلك؟
اليوم صار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة شعارا للإستهلاك الخطابي، في حين أنه أحد دعامات الدستور المغربي. عندما يصبح كل المغاربة سواسية أمام العدالة سننتقل إلى أول درج في سلم دولة الحق و القانون، و إذاك سنقضي على ظواهر تحطم كل طموح في بلوغ المغرب لدرجة اقتصاد صاعد و على رأسها الرشوة، التي جعلت فاسدين يصبحون برلمانيين رغم قضائهم عقوبات حبسية بتجارة المخدرات و الفساد، و منتخبون صاروا “ملايرية” من ريع تدبير الشأن العام دون حسيب ولا رقيب. عندما يصبح للمغرب قضاء نزيه، يطمئن المواطن و المستثمر المغربي و الأجنبي و يضمن حقوق المتقاضين، يمكن أن نرفع من مؤشرات تنافسية نموذجنا التنموي و نصبوا للتموقع ضمن العالم الثاني.
نحن في 2017، و إذا أردنا لبلدنا أن يصير اقتصادا صاعدا كما أسلفت في أفق سنة 2030، لأنه من المستحيل أن يتحقق ذلك قبل هذا التاريخ، الوصفة واضحة و بسيطة مادام أهم شيء يتوفر عليه البلد و هو الإمكانات المادية الملموسة.
إذا نجحنا في هذا الإنتقال لن نكون بحاجة للإجابة على سؤال “أين الثروة؟”، لأن النموذج التنموي الجديد سيكون مضادا للفساد. لذلك يعتبر هذا الإنتقال أكبر من طموح بل هو الإجابة الحقيقية لسؤال “نكون أو لا نكون ؟”.