مسلخ جماعي للوطن
المغاربة شعب لا يقرأ وإذا قرأ نادراً ما يتوجه لقراءة منتجة.
هذا نتاج تراكم سياسات تعليمية و منظومة تربوية أتبثت فشلها على امتداد عقود من الزمن رغم ملايير الدراهم التي ابتلعلتها مختلف خطط الإصلاح التي كانت في كل مرة ترمى في القمامة، لتُخرَج ميزانية أخرى و هكذا دواليك دون حسيب ولا رقيب. لذلك، لا غروَ أن نلاحظ تدهوراً خطيراً في مجموعة من القيم و منها قيم القراءة و التكوين الذاتي و الثقافة، و كلها مناحي تم تدميرها لصالح معاقل الرداءة و التدهور الفكري و القيمي.
لقد استفزني أن الاحظ في تقرير مؤسسة قياس مشاهدة القنوات التلفزية المغربية أن مسلسلاً تلفزياً تركياً تافهاً بعنوان “سامحيني” استأثر بالريادة و بمشاهدة أزيد من ثماني مليون مشاهد في إحدى حلقات الأسبوع الفارط. هذا الإعلام العمومي الذي يؤدي خدمة عمومية لا تتوخى الربح، صار للأسف يتزاحم في تسويق الرداءة و تدمير عقول المغاربة عوض العمل على الرقي بوعيهم وارتباطهم بقضاياهم المصيرية.
وهكذا يتم تغييب النقاش العمومي قي التلفزة المغربية، حول منظومة التربية و التعليم و النموذج الإقتصادي و الوضع في الصحراء و مستقبل اتفاق الفلاحة مع الإتحاد الأوروبي و انعكاسات “تعويم” الدرهم و مستقبل دعم المواد الأساسية و تخليق الحياة العامة و ضرورة الإستقلالية الفعلية للقضاء و إكراهات الحياة الحزبية و تدبير السياسات العمومية…الخ.
و عوض مناقشة القضايا المصيرية للوطن و المواطن، يتم إغراق قنواتنا بثقافة “هضاضاي” و “كنبغيك بالسيرفيت” و “ندير ليك الطربيشة و نحيد الشيشة”، و عوض أن نقرب جيل اليوم من قيم ثقافة عبدالله العروي و محمد عابد الجابري و مسرح الصديقي و البدوي والزروالي و رقي الفن حتى الشبابي منه كلمة و لحناً، نستثمر في برامج طمس العقول وإغلاق العيون.
في المحصلة، انتجنا جيلاً لا يعرف تركيب جملةٍ مفيدةٍ، و إذا أردتم التأكد فما عليكم إلا أن تقوموا ب “ميكرو طروطوار” حول أيٍ من مواضيع الساعة التي ترهن مستقبل المغاربة، و ستتفاجأون من نوعية الإجابات و كم الجهلٍ بخصوص تعويم الدرهم و إنهاء نموذج المقاصة و أسباب انخفاض نسبة النمو…حتى و أنتم تسألون طلبة جامعيون بالحرم الجامعي.
منذ مدة و أنا أمني النفس ببرنامج تلفزي يستقبل خبراء و أطباء نفسيون و مدونون لتشريح ظاهرة خطيرة لا يلتفت لها أحد ، و هي كم الرداءة الذي يتقاسمه رواد منصات التواصل الإجتماعي و حجم الأحقاد التي يتداولونها والعنف اللفظي و الخوض في أعراض الناس، دون أن يستفز ذلك القائمون على الشأن العام بالبلد. و كأن مايهمهم هو ابتعاد الناس عن كل ماينمي الوعي الجماعي و إلهائه ب بتفاهاتٍ لا تعد و لا تحصى، و في هذا إفراغ للعقول و إفقارُ للوطن وإبعاده عن سكة الإلتحاق بركب النمو الجماعي الذي يقربه للتجمعات البشرية الراقية. و هنا لابأس أن نذكر برقم صادمٍ للمندوبية السامية للتخطيط و هو حوالي خمسة ملايين شاب بين 15 و25 سنة لا يدرسون ولا يشتغلون ولا يقومون بأي شيءٍ في الحياة و مع ذلك، لا أحد فكر في هذه القنبلة الموقوتة و عبر و لو عن انشغالٍ بسيطٍ بها !
لقد سبق وقلنا أن المغرب متخلف عن أوروبا بخمسين سنة من التنمية القوية و بثلاثين سنة عن تركيا و بأن المغرب لن يتمكن إطلاقا من بلوغ درجة البلد أو الإقتصاد الصاعد دون منظومة تربوية قوية تبدأ من التشبت بركائز قيمية، و هكذا فقدنا تحدي 2030 بعد أن تنازلنا طوعا عن أهداف 2025 التي جاءت في تقريرالخمسينية، و بالتالي نضيع المواعيد الكبرى تباعا و نعض بالنواجد على كل ما هو رديء و كأننا نشارك في مسلخ جماعي للوطن!