لا قديسين في السياسة !
الاهتمام بحزب العدالة و التنمية إعلاميا، أكثر من الأحزاب الأخرى، نابع من تموقع الحزب بالمرتبة الأولى انتخابيا، و قيادته للحكومة للخمس سنوات الفارطة و أخيرا ما واكب تشكيل الحكومة خلال الستة أشهر السابقة، و بالتالي يجب على قيادات هذا الحزب أن “يوسع قشابتو” أمام التحليل وحتى الإنتقاد الإعلامي.
من سيل تناقضات البيجيدي التي سجلت أخيرا، ذلك البلاغ الغريب الصادر عن الأمانة العامة، في غياب الأمين العام، و المغرق في العموميات والذي حث أعضاء العدالة و التنمية على الإحجام عن الخروج الإعلامي. دعوة صريحة للتعتيم أعقبها مباشرة خروج إعلامي لوزيرين هما محمد يتيم و لحسن الداودي و هذا تناقض غريب يحيل على توجيه الخطاب الحزبي لتوجه إعلامي يهادن توجه سعدالدين العثماني و يقص أجنحة معارضي مسلسل تنازلات “المستوزرين”.
خطاب يتيم و الداودي كان نمطيا يدافع عن موقف الحزب عن اختياراته و تحالفاته فيما غابت عنه البراغماتية السياسية و الحكمة الإقتصادية. الداودي، بعد خمس سنوات من تسيير الحكومة جاء ليقول للمغاربة بأنهم لا يعرفون مآل 10 ملايير درهم سنويا من دعم الغاز. بمعنى أن المغرب على عهد حكومة بنكيران لم يكن يعرف أين ذهبت 50 مليار درهم وانتظر خمس سنوات ليعود البيجيدي الآن مع حكومة سعدالدين العثماني و يقول للمواطنين سنطلق دراسة لمعرفة خريطة الدعم قبل التفكير في رفعه و تعويضه بدعم مباشر. وزير الشؤون العامة والحكامة، احسن الداودي، قال للمغاربة بشكل مباشر بأن الحكومة لا تتوفر على المعطيات في دورة دعم الغاز!
هل هناك فضيحة أكبر من هذا ؟
عندما نعرف بأن كلفة مستشفى جامعي متعدد الإختصاصات تبلغ مليار درهم و الحكومة لا تستطيع إنشاءه بمدن كبرى لضيق ذات اليد، وفي نفس الوقت لا تعرف كم من مليار درهم تصل لجيوب بدون استحقاق فهذا عبث. عندما تحرر أسعار المحروقات ولا تضع أي آليات للرقابة فإنك تفتح الباب لمصراعيه لشركات المحروقات لعدم مواكبة تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية عند نزولها، وبالتالي توسع هوامش ربحها على حساب سوق الإستهلاك، والأمر يتعلق هنا بملايير الدراهم!
وزير الشؤون العامة رمى بالكرة في مرمى مجلس المنافسة، المعطل أصلا لأن الحكومة لا تريد أن توقع على مرسوم ينزل مقتضيات الدستور التي تمنحه صلاحيات التدخل و الزجر، و هرب بعيدا للأمام عندما حمل البرلمانيين كذلك المسؤولية متهما إياهم بعدم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق !
في الشق السياسي، لحسن الداودي لم يجد أدنى حرج في التأكيد على أن حزبه سيبقى وفيا لالتزاماته اتجاه المواطنين و محاربة الفساد والتصدي للتحكم. السيد الوزير و القيادي بالبيجيدي لم يقل للمواطنين كيف سيحارب الفساد بعد أن فشل فشلا دريعة في ذلك في الولاية السابقة، كما أنه لم يقل للمغاربة عم أي تحكم يتكلم و ماهي تجلياته.
الخرجة الإعلامية الثالثة لوزراء البيجيدي بينت بالملموس أنهم محرجون و يفتقدون لأبرز آلياتهم التواصلية التي جعلت منهم ظاهرة سياسية خلال الخمس سنوات الفارطة. على المغاربة أن يتعودوا على التعامل معهم كحزب عادي يفلح أحيانا و يسقط أحيانا، فلا قديسين في السياسة!