الدولة و الإعلام المارق !
بالتأكيد لا ، لأن أفضل من يكتب عن المغرب هم المغاربة و أحسن ما ينقل عن بلادنا هو ما يحرره أبناء جلدته بالحب و الإفتخار بالإنتماء و هذا لا يعني بالنفاق و المهادنة.
هناك أسلوب معترف به عالميا، من لدن كبريات وكالات التواصل و تلميع الصورة عبر العالم، يرتكز على مستويين في التعامل مع الصحافة. استغلال تصادم الأفكار و تعارض المعالجة الصحفية بالنسبة لمستوى القضايا الداخلية. فهذا يعطي صورة راقية عن البلد من خلال مستوى حرية التعبير و تنوع التعبيرات و الإنفتاح عن نقاش الأفكار. هذا يعطي الإنطباع كذلك عن قوة النظام الذي لا يزعجه هذا التنوع بل يعمل على تشجيعه و دعمه. في المستوى الثاني يوصي المختصون بخلق نوع من التعبئة حول القضايا الكبرى للبلد و هي قضايا ببعد وطني تشير إلى لحمة المجتمع بمواطنيه و إعلامه و سياسييه.
بالنسبة للمغرب، فهو ليس بحاجة لإعلام على شاكلة “جون أفريك” يعتقد رئيس تحريره أن نفوذه يتجاوز سلطات رئيس الحكومة. المغرب ليس جمهورية موز، هو دولة مؤسسات، بمشاكله و علاته، يستطيع مناقشة كل إشكالاته دونما حاجة إلى وكالة من منشور خارجي كيفما كان. فالعالم صار قرية صغيرة و الرباط تعج بمراسلي كبريات الوكالات و الصحف العالمية، لذلك صار الإعتماد على منشور تجاري في تمرير الرسائل أو تلميع الصورة أسلوبا متجاوزا و يكفي مقالا واحدا أو اثنين معاكسين من جريدتين عالميتين لجعل أطروحات المنشور إياه مجرد مزحة “بايخة”.
إن أفضل وسيلة للدولة المغربية في تسويق صورتها هو أن تسير قدما في تحصين الإعلام المهني من الشوائب و أن توسع هامش حريته و تعزز استقلاليته. و أتذكر عندما اندلعت الأزمة مع السويد و انتقلت لاستوكهولم لألتقي مدراء كبريات الصحف السويدية و أبادلهم الحديث حول ما يعرفونه عن المغرب و خصوصا عن قضية الصحراء. فأول شيء يركزون عليه هو هل الجريدة التي أمثل مستقلة عن السلطة الحكومية، حتى في التوجه التحريري، و قد اكتشفت من خلال الحديث أنهم تصفحوا الموقع الرسمي للجريدة و اطلعوا على مواده.
مدير أكبر يومية سويدية قال لي حينها مباشرة ما مفاده إنهم لو وجدوا أن الخط التحريري للجريدة “مواليا و غير مهني” لما استقبلوني. و أتذكر أنه لما سلمتهم كتابا بالانجليزية عن ” 16 سنة من حكم محمد السادس” قالوا لي هل سنجد انتقادات في الكتاب أم مجرد إنجازات، فقلت له تصفحوا الأبواب الخاصة بالصحة و التعليم و العدالة و احكموا. و عندما وصلنا لقضية الصحراء عدت به لقرنين من الزمن خلت و وضعت أمامه خارطة لما كانت المملكة المغربية تمتد حتى السينغال و تضم أطرافا كبرى من الصحراء الجزائرية. ليس المهم أن يكون الرجل قد اقتنع، لكن فكرتي كانت هي انه لو استطعت زعزعة اقتناعاته الموالية البوليزاريو و لو بعشرة بالمائة فإن زيارتي قد نجحت. و كنت على يقين بأن النسبة تزيد على ذلك و مدير الجريدة يوقع اتفاق تعاون و تبادل مواد التحرير بين صحيفتينا ، كانت من نتائجه نشر مقال لي ينسف مواقف البوليزاريو ترجم بالسويدية و نشر بموقع الجريدة. ولا أشك أن زملاء آخرين قد قاموا بمبادرات مماثلة هنا و هناك، وفي صحف عالمية، دون أن يطلب منهم ذلك، اقتناعا بالقضية الوطنية.
لذلك على الصدور أن تتسع للنقد الذاتي لأنه نابع من الجوارح و لأنه لا يقايض بالأموال كما تفعل الأقلام المرتزقة و التي تبتز الدولة. فهته الأخيرة لذغت من جحر الإعلام المارق الذي لا يشبع و عندما يصطدم بأدنى معارضة أو رفض يخرج الأنياب و معاول الهدم، كما حصل مؤخراً. لذلك لا يجب التعويل على هكذا إعلام لتلميع الصورة، فأصدق وسيلة هي الشفافية و عدم الخجل من قضايانا الداخلية، التي توجد في مختلف دول العالم بتفاوت، فلا نريد التطبيع معها و لا التهويل و النفخ فيها.
نحن، الإعلام المغربي، من لدينا الشرعية في نقل حقيقتنا و الدفاع عن حقوق الوطن و الدود عن مصالحه العليا و ليس أولئك الذين يكتبون بالدولار و اليورو.