إفتتاحية سمير شوقي

“قاصح ولا كذاب” 

 

 
 
الوضع الإقتصادي بالمغرب لا يبشر بخير بالرغم من التطمينات الرسمية، و هذا مرده إلى تضارب صارخ في تحليل الأرقام و المعطيات، أو أي نصف من الكأس يراه كل واحد. ففي الوقت الذي تؤكد وزارة الإقتصاد و المالية أن التوازنات الكبرى للإقتصاد الوطني في وضع جيد، هناك مؤشرات لا تخطؤها العين تبين العكس تماما، وهاكم بعض الأمثلة. 
آخر مستجد اقتصادي هو اقتراض الدولة، من البنوك المغربية، مبلغ عشرة ملايير درهم (مليار دولار) لتصرفها للمقاولات المغربية الدائنة للدولة بمبلغ إجمالي قدره ثلاثين مليار درهم، عن واجب استرجاع الضريبة عن القيمة المضافة، أي نصف المداخيل السنوية للسياحة أو تحويلات مغاربة الخارج. ماذا يعني هذا؟ بكل بساطة يعني ذلك أن الدولة صارت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها دون حاجة للإستذانة و هذا أمر خطير لأنه يضرب استقلالية البلد المالية في الصميم. مديونية المغرب بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة بمبلغ 85 مليار دولار أو 85% من الناتج الداخلي الخام، و “مازال العاطي يعطي” مادام الدولة ماضية في العيش بمستويات أكبر بكثير من إمكاناتها.
 
لحسن الداودي، و هو وزير الشؤون العامة ًو ليس معارضاً أو عدمياً، قال تحت قبة البرلمان أمام ملايين المغاربة : “مانبقاوش نكذبو على المغاربة، راه المغرب بلد فقير”!  مسألة الفقر هاته فيها نظر و يمكن أن نناقشها مع الوزير في سياقات أخرى، لكن  بعجالة نؤكد أن المغرب بإمكانياته الطبيعية و الإقتصادية كان بإمكانه أن يكون أفضل بكثير لو قضى على اقتصاد الريع ومضى على درب توزيع عادلٍ للثروة، لكن هذه حكاية أخرى لنا لها عودة بلا شك.
 
و بما أن مكونات الإقتصاد مرتبطة بشكل كبير، فإن الإفراط في المديونية مع استمرار ظواهر الريع و التبذير هو شكل من أشكال الحكامة السيئة و ليس مرتبط بالإمكانات، هنا نسجل اختلافنا مع الوزير و نقول له : “بإمكاننا أن نكون أفضل، بإمكاننا أن نكون اقتصاداً صاعداً، لكن فقط إذا سجلتم إسمكم في تاريخ المغرب كأول حكومة تقضي نهائياً على الريع (ولا أقول الفساد لأن تلك حكاية أخرى) فهل أنتم قادرون على ذلك؟”. 
 
شخصياً، لا أعتقد بل أكاد أجزم أن هذه الحكومة ستعجز عن القضاء على تلك الظواهر، لأن علامات العجز بادية على أدائها السياسي و الإقتصادي. و حتى نبقى دائماً في الإقتصاد، فإن قطار حياة البلاد الذي يفوق إمكاناتها يتجلى في الميزان التجاري الذي يسجل مستويات عجزٍ قياسية. هذا يشكل خطراً داهما على توازنات احتياطي العملة في وقتٍ تغير فيه معامل صرف الدرهم بشكلٍ إذا ما استمر معه تفاقم العجز التجاري بهذا الشكل سيضعف الدرهم و ندخل منطقة المحظور.
 
إن أكثر ما يخيف هو التعامل مع الأزمة بتفاؤلٍ مفرطٍ، و بطمأنينة غادرة على أن الغذ سيكون أفضل مع أن مؤشرات اليوم ضبابية. إن التحليل الإقتصادي لا يؤمن إلا بالأرقام و لا يعرف التعاطي العاطفي  أو الوطنية الزائفة. الوطني الحقيقي هو الذي يدق جرس الإنذار قبل أن تحل  الكارثة و ليس الذي يطبل و يهلل لتسجيل مكاسب شخصية عابرة. 
 
في الأيام القليلة الماضية  سمعتُ وزيرا يقول أن الدولة  تدعم الصحافة و هاته الأخير تبالغ في انتقاداتها ! صعقتُ لهذا المنطق الذي يعود بنا لسنواتٍ خلت و الذي يبين أن البعض ممن يسيروا البلد لا يعرفون أن الدستور، الذي توافق عليه المغاربة ، يقرُ بالحق في الولوج للمعلومة و يحصنُ حرية الصحافة،   لذلك يسوقون الصحفيين للمحاكم و ربما للسجون لنشرهم أخبار صحيحة، عوض أن يهتموا أكثر بمتابعة لصوص المال العام و ما أكثرهم.
ها نحن ندعوهم بكل أدب لأن يراجعوا دروسهم، وأن يكفوا عن الإبتزاز.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى