إفتتاحية سمير شوقي

الثورة الأخرى

أبانت أحداث الريف بما لا يدع مجالا للشك أن هناك هوة عميقة بين المغاربة و إعلامهم الرسمي. ففي الوقت الذي كانت تتناقل قنوات فرانس24 و “بي بي سي” و “س ن ن” و روسيا اليوم …، مجريات الأحداث بالصوت و الصورة و تبين درجات الإحتقان، كانت القناة الأولى و القناة الثانية في حالت غيبوبة، بل أنها في وقت من الأوقات ركزت على مظاهرات…فنزويلا!
 
في نفس الوقت كانت شبكات التواصل الإجتماعي تسخر من القطب “المتجمد” العمومي الذي يغرد خارج الزمان و المكان، و أخدت بزمام المبادرة لتنقل صوتا و صورة الأحداث من الميدان و بالتفاصيل المملة. و هكذا تابع المغاربة من الرباط و الدارالبيضاء و مراكش و العيون وطنجة و فاس وجدة و باقي المدن بروز وجه متمرد على الأوضاع يقود شباب ثائر ضد “الحكرة” مبرزا مطالبه الإجتماعية بطريقته الخاصة. اكتشف الجميع حجم المظاهرات من خلال النقل المباشر على الفيسبوك ، و تابع الآلاف النقاشات الساخنة حول الموضوع و صار البعض من أوفياء حلقات اليوتوب اليومية التي يبثها نشطاء و حقوقيون و إعلاميون دون قيود تحريرية و لا خطوط حمراء و بجرأة لافتة و غير مسبوقة. في المحصلة، صارت لكل مغربي تلفزته الخاصة في جيبه بواسطة هاتفه الشخصي يتابع من خلاله ما يريد من المواد الإخبارية بعيدا عن لغة الخشب التي نفرت المغاربة من قنواته العمومية.
 
فماذا يعني هذا التحول العميق؟
 
لقد اختمر الوعي السياسي للمغاربة و اسبلادهم من طرف الإعلام الرسمي جعل الأخير يفقد مصداقيته ويعطي من حيث لايدري دفعة قوية للإعلام البديل حتى صار الفايسبوك و اليوتوب يقض مضجع المسؤولين الذين تجاوزتهم الأحداث و صاروا يقضون وقتهم في تكذيب أخبار شبكات التواصل الإجتماعي عوض الإنكباب على إيجاد الحلول العميقة. لكن يبدو أنه لا المسؤولين عن تدبير الشأن العام و لا المسؤولين عن الإعلام العمومي يريدون أن يفتحوا أعينهم على الواقع. فالجمعة الأخير  مثلا عرفت مدينة طنجة الحوار الوطني حول حراك الريف. المفارقة أن المغاربة تابعوا مداخلات قوية تعكس المنطق الذي يقر بأن الحلول تولد أحيانا من رحم المعاناة و حتى اصطدام الأفكار و هي ظاهرة صحية، بينما نقلت القناة الثانية مقتطفات من تصريحات خارج سياقها و مبتورة عن بيئتها و شبيهة بلغة الأخبار الرسمية، فيكف يصدقها المغاربة و هي جزء من المشكل. 
 
أما القناة  الأولى فقد اختارت  في نفس اليوم سهرة للفن الشعبي و الشيخات   بينما  انبرى جزء من المغاربة لمتابعة ندوة لنبيلة  منيب من مقر الحزب الإشتراكي الموحد حول حراك الريف و الحلول الكفيلة بوضع حد للإحتقان، فيما فضل آخرون متابعة   بالمباشر  لمظاهرات تضامنية بعدة مدن مغربية،ًأو رسائل فيسبوكية قوية من داخل و خارج المغرب لمغاربة  كسروا حاجز الخوف وقفزوا  على كل الخطوط!
 
هذه هي الثورة الأخرى التي يجب على المسؤولين أن يلتقطوا إشاراتها و يتفاعلون معها، لا التعامل معها بالتجاهل أحيانا أو بمحاولة التشويش عليها تارة أخرى. العالم يسير بسرعة  قسوى  و الدليل أن  شابا  مثل ناصر االزفزافي   كان حتى قبل أشهر قليلة مجهولا من طرف جل المغاربة فصار في رمشة عين إسماً  مألوفا في كبريات القنوات الإخبارية العالمية …بفضل شبكات التواصل الإجتماعي. فهلا اتعضتم و حاولتم إصلاح ما يمكن إصلاحه ليتصالح  المغاربة مع إعلامهم ، و إن كان ذلك جد جد صعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى