إفتتاحية سمير شوقي

افتتاحية وجهنا و المرآة

 

 

هل حقا نحن شعب يستحق ما يقع له؟ و لماذا هناك عزوف عن الكلمة الحرة و النزيهة؟ و كيف تتحلل النخب السياسية و الثقافية من دورها في التأطير و التوعية و لو بالكلمة الهادفة و هذا أضعف الإيمان؟

و لماذا تختار شرائح واسعة من الشعب تفريغ المكبوتات في قراءات إلكترونية تافهة تفرد لها معظم وقتها و تدير وجهها عن الكتابات الجادة على قلتها.

في المغرب، جرب ان تنشر مقالا على موقع إلكتروني يتطرق للتاويل الدستوري لإقالة وزير المالية و ضع بمقابله فيديو سكريبت من ثلاثين ثانية كله قذف و تجريح في شخصية عمومية لترى الفرق الشاسع في الإقبال بين “السلعتين”.

للأسف بالمغرب تنطبق مقولة رجال المال و الأبناك الأمريكان : “العملة السيئة تطرد الجيدة”. لذلك لا نجاح في الإعلام الإلكتروني المغربي (نتحدث عن الإعلام و ليس عن شبكات التواصل الإجتماعي و تلك قصة أخرى) إلا لمواضيع الإندحار الخلقي و الثقافي .. لا صوت يعلو عن “البوز” … جرائم، جنس، نميمة، إشاعات، سب و قذف .. دون رقيب ولا حسيب.

في المغرب، جرب أن تضع شكاية بخصوص جريمة “السب الإلكتروني” لتقف عند حقيقة بائسة مفادها أن لا حياة لمن تنادي. لذلك ينتعش الذباب في الثنايا النتنة و يفرض روائحه الكريهة على المجتمع.

في المغرب، قد تصبح بطلا (في عالم افتراضي ..من ورق) و تظن نفسك “روبن هود” و منقذ المجتمع، يدفعك رواد الشبكة في كل حلقة إلى الرفع من سقف النقذ و حتى السب، و يدقعوا عليك باللايكات و التعاليق التي تجعل منك شيغافارا زمانك، لكن ما إن تقع في المحظور حتى ينفض الجميع من حولك، بل يشبعك سبا هؤلاء، نفسهم، من كانوا يرفعونك افتراضيا فوق الأكتاف.

لذلك لا مناص ان نعود لرشدنا الفكري، ان ننتقذ بمعرفة و خلفية و باحترام لشروط النشر و الحياة الخاصة. ان نشجع النخب على فتح النقاش حول مواضيع الساعة برقي ينفع المواطن و يؤطره، لا ان يجعل منه منحرفا إلكترونيا.

إنها مسؤولية الدولة كذلك، لتشجع على الرقي و على الأفكار الجادة التي تقوم المواطن و تزيد البلد شأنا و لو من رحم المعاناة و قساوة الكلمة الصادقة. لم يسبق لبلد أن انعتق من التخلف دون إسهام كبير لنخبه و مثقفيه …

هي دعوة لأن نرى و جهنا في مرآتنا أو “مرايانا” .. و هي فرصة للثناء على زملاء اطلقوا موقعا يحمل نفس الإسم، للرفع من مستوى النقاشات العمومية. أعرف أنهم سيتعثرون في البداية و قد يبدون غرباء في غابة من الرداءة، لكني مؤمن ان للغباء حدود و انهم سينجحون، و نجاح مبادرة مثل هاته هو نجاحنا جميعا. نجاح لمجتمع المعرفة.

فكفانا قبحا، و لنرفع المستوى بدء بمحاربة الرداءة و الكف عن “بارطاج” التفاهات… “بارطاج” جعل من الحثالى أبطالا و نجوما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى