إفتتاحية سمير شوقي
دردشة هادئة مع الوزير
كعادته، لم يترك الوزير لحسن الداودي فرصة مروره التلفزيوني تمر دون أن يبصمها ببهاراته بخصوص استفزازاته لمحاوريه.
فعوض أن يركز على التوجه للمواطن بشروحات و دفوعات تبرر موقف الحكومة من انعكاسات التخلي على صندوق المقاصة أو عدم السيطرة على جشع موزعي المحروقات، يضيع الكثير من الوقت و غير قليل من الجهد في مواجهة محاوريه و محاولة إبرازهم و كأنهم جهلة لا يفقهون شيئا، و هذا ما يفعله كذلك بالبرلمان في مواجهة البرلمانيين المعارضين، عندما يتوجه لهم بأستاذية لا تليق بالمقام.
أسلوب الداودي لا يسعفه في تمرير خطابه حتى و إن كان في جوهر الموضوع على حق. فمثلا، بخصوص موضوع التخلي عن صندوق المقاصة، و هو من حيث المبدأ مبرر و كنت شخصياً من المدافعين عنه لأن مليارات المقاصة تذهب أساسأً للحسابات البنكية للأغنياء و هذا ماكان يفسره بنكيران بقدرة إقناع رهيبة، وزير الشؤون العامة و الحكامة يضيع في التفاصيل و يعتقد أنه وحده لاغيره يملك الأرقام حتى و هو يقدم معطيات مغلوطة.
فالداودي عندما يقول للمغاربة بأن رفع الدعم عن الغاز و السكر سيتزامن مع منح سبعة ملايين أسرة مغربية بطاقة إئتمانية، تحول لهم بموجبها تعويضات شهرية في حساب بنكي، يبدو و كأنه يتحدث عن بلد آخر غير المغرب. فسبعة ملايين أسرة هو مجموع الأسر بالمملكة الشريفة و بحسبة بسيطة نجد أن متوسط خمسة أفراد لكل أسرة يحيلنا على 35 مليون شخص مستفيد و هذا هو رقم سكان المغرب حسب آخر إحصائيات، فهل سيستفيد كل المغاربة؟ بالطبع لا وإلا ستكون العملية عبثاً، يبقى أن السيد الوزير قدم للمغاربة رقما مغلوطاً، و جل من لا يخطيء، فقط عليه أن يتوقف عن ممارسة أستاذيته على الجميع.
أما بخصوص ميكانيزم توزيع المساعدات النقدية عبر منظومة بنكية و بطاقات إئتمان، فيبدو أن الوزير الذي يفتخر بكونه ابن البادية قد أغفل بأن السواد الأعظم للمستفيدين المحتملين غير مستبنكين و جلهم لايعرف شيئاً عن البطاقات و الأبناك لأن أعداداً كبيرة منهم تعيش العزلة في الجبال و المداشر و تفتقد الحد الأدنى للعيش الكريم، فيكف نعوضها ب 200 أو 300 درهمًا شهرياً و نطلب منها أن تقطع عشرات الكيلومترات في مسالك صعبة للوصول لأول شباك أوتوماتيكي! بطبيعة الحال، سيرد الداودي بأننا لم نبلغ بعد هذه المرحلة و أننا مازالنا طور التفكير و سنخلق لجنة تعد التصورات التقنية للعملية.
و هنا نتسائل أين وصلت عشرات اللجان التي خلقتها الحكومة للإنكباب عن بعض الإشكاليات فضاعت في دواليب الإدارة و لم نسمع عن نتائجها شيئاً. و سيكون جميلاً لو أجابنا وزير الحكامة فقط عما فعلته لجنة تتبع اتفاق موزعي المحروقات عن ضبط الأسعار و السيد الوزير يعترف بعظمة لسانه بأن هؤلاء الموزعين كانوا يحققون هامش ربح يبلغ ثمانين سنتيماً عن لليتر الواحد و الآن في ظل التحرير ارتفع هذا الهامش بثمانين سنتيماً أخرى أي أن الهامش الإجمالي فاق درهمًا و نصف عن الليتر الواحد و هذه فضيحة في حد ذاتها!
فلا الحكومة استطاعت أن تضبط جشع موزعي المحروقات، و ولا هي تركت مجلس المنافسة يقوم بعمله وفق مقتضيات الدستور بجزر هؤلاء المخلين بقواعد المنافسة الشريفة، لأن الحكومة لا تريد الإفراج عن النصوص التطبيقية التي تنص على الإختصاصات آلتي يخولها الدستور لمجلس المنافسة جاعلة من هذا المجلس شبحاً تصرف لموظفيه أجوراً عن عمل لا يقومون به و هذه غريبة اخرى من غرائب الحكومة السابقة و اللاحقة.
في حوار سابق مع الدكتور سعدالدين العثماني قال بأن كل اللجان المحدثة تشتغل و تنتج تقارير تنشر في حينها، و الحال أننا نعاين خلق لجان تحقيق عند بروز أي إشكالية لكن لا نرى لها نتائج ولا تبليغاً للرأي العام. حادثة طانطان، توزيع المواد الغذائية بالصويرة، أزمة العطش بطاطا، فضائح بالجملة على صفحات الجرائد ضحيتها المال العام دون حسيب ولا رقيب…و تلك حكايات أخرى لنا عودة لها.