الدعم الحكومي بين الحقيقة و الإفتراء
فجرت وكالة الأنباء الرسمية فضيحة من العيار الثقيل بطلها رئيس الحكومة الذي استأجر طائرة خاصة لإحدى رحلاته الدولية بمبلغ 350 مليون سنتيم. الحكومة لم تعاقب مسؤولي الوكالة الرسمية التي يتقاضى العاملين بها أجورهم من ميزانية الدولة ، لأنها قامت فقط بعملها بمهنية و تجرد، بل أمرت فتح تحقيق في النازلة كما أراد ذلك برلمان الشعب.
بالطبع لا علاقة للمغرب بهذه النازلة التي كان مسرحها فرنسا مهد الديموقراطية و حقوق الإنسان. ببلدنا الحبيب، الإعلام العمومي مقيد بخطوط حمراء تعود للعصر الحجري حتى أن الجميع هجره بما في ذلك العاملين فيه. لذلك خلت الساحة للإعلام الخاص و الذي يعد شعوباً و قبائل تتعدد فيه الخطوط التحريرية و تختلف توجهات الأقلام. و حتى و إن كان هذا المشهد لا يخلو من تجاوزات، فإن هذا التعدد يميز المغرب عن العديد من الدول العربية التي تغبط بلدنا بهكذا تنوع تحريري. لكن يبدو و كأن بعض الأوساط تربد أتمنى تجر المغرب للخلف و تعيد عقارب الساعة لأيام ادريس البصري حين كان يشرف على قطاع الإعلام. و قد لاحظنا بعض التسريبات تريد أن تمرر رسالة مفادها “أن الإعلام الذي يدعم الحكومة هو الأولى بالدعم و ليس من يعارضها”، و هذا لعمري أخطر توجه يعرفه المغرب في الخمسة عشر سنة الماضية.
فالدعم يتم من المالية العمومية و ليس من جيب أحد حتى يمن به على الإعلام، و هو في أحسن الأحوال لا يغطي أكثر من 4% من مجموع مصاريف المقاولة الصحفية، و القطاع الإعلامي بالمغرب يؤدي 50 مليار سنتيم في السنة ليستفيد فقط من 6 ملايير سنتيم توزع على حوالي 100 مقاولة إعلامية ، أي أقل من 10% مما تصرفه الحكومة عن إعلامٍ عموميٍ فاشل.
و للمقارنة ففرنسا مثلاً و هي دولة متقدمة تخصص 60 مليار سنتيم سنوياً لدعم الصحافة تستفيد جريدة لوموند لوحدها من 5 ملايير سنتيم أي تقريبا ما يتقاضاه كل الإعلام المغربي، و تشتري الحكومة الفرنسية يومياً مليون نسخة من الصحف توزعها على المصالح العمومية و الجامعات و شركات الطيران تشجيعاً للقراءة و دعماً اقتصادياً للصحافة.
الآن، عوض التفكير في تحسين العقد البرنامج الذي بموجبه اتفقت الحكومة مع مهنيي قطاع الإعلام، قبل اثني عشر سنة، في سن دعم رمزي، هناك نيات مبيتة تريد أن تضع حكومة سعدالدين العثماني في مواجهة غير مجدية مع قطاع جد حساس و على وزير القطاع أن ينتبه جيداً لما يحاك له من أفخاخ. الجهات المعلومة التي تبحث عن مواجهة إعلامية حكومية توظف وسائل وسخة منها الكذب و الإشاعة لتغليب الرأي العام و حتى بعض المسؤولين السياسيين الغير مطلعين عن الملف. و هكذا يصورون هذا الدعم كريع يذهب لجيوب مدراء الصحف (ورقي و إلكتروني)، و الحال أن شروط الإستفادة تمر عبر الإدلاء بشهادة الذمة من كل الضرائب المستحقة و واجبات الضمان الإجتماعي و التقيد بأجر أدنى للصحفيين 5800 درهم (الحد الأدنى للأجور الأكثر ارتفاعا في المغرب) و عدد أدنى من العاملين، كما أن صرف منحة الدعم يتم عبر لجنة مكونة من ممثل وزارة المالية و ممثل وزارة الإتصال و ممثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية و ممثل الفيدرالية المغربية للناظرين و كل هؤلاء يؤسرون على على تقيد ملف المستفيد بالشروط المطلوبة قبل أن يحال أمر الصرف على وزارة المالية التي تحوله لحساب الشركة الناشرة. و بالطبع المقاولة الإعلامية تطور أداءها بتدفق الدعم في خانة الإستثمار في إعادة تأهيل العاملين و التكوين المستمر و ولوج أحدث التكنولوجيات.
هذه تفاصيل كان لابد من سردها لتوقيف تجار المغالطات عند حدهم ، و لنقول لهم إن معركة الإعلاميين هي في الحفاظ على استقلالية الخطوط التحريرية و في النقد البناء الذي يرفع المغرب لدرجات أرقى و الذي يحسن من دوق المتلقي. أما بلغة الإقتصاد و التجارة فإن القطاع الإعلامي مستعد أن يعفي الحكومة من هكذا دعم لو خفظت الضريبة على القيمة المضافة بالقطاع من 20% ل 12%.