إفتتاحية سمير شوقي

المسؤولية تابثة والحساب عند الله

  

قلنا مرارا أن ربط المسؤولية بالمحسوبية ليس شعارا رناناً و إنما عقيدة و فكر. و لعلنا في المغرب لم نستوعب بعد أنه لن تكون للبلاد كائنة مع تفشي ظواهر الريع و اللاعقاب و الإستهتار بالمال العام.
 لم نعد بحاجة لسرد نماذج من هاته الممارسات لأنها صارت جزءً من يومياتنا و حتى أسلوب حياةٍ للبعض.  لكن و مع ذلك، لابأس من وضع الأصبع على أمثلة على أعلى المستويات نقيس فيها هدر المال العام بملايير الدراهم، مع حالات في مستويات أقل تهم تدبير الشأن المحلي على سبيل المثال.
 
لدى الدولة المغربية عدة آليات للمتابعة و الرقابة لتدقيق حسابات المشاريع الكبرى، كما تتوفر على وسائل التدقيق و الزجر بالنسبة لتدبير الجماعات بواسطة هياكل وزارة الداخلية. الدولة تطلب من المجلس الإقتصادي والإجتماعي دراسات قطاعية للوقوف على نجاعة المشاريع المبرمجة، كما يمكن أن تفعل المجلس الأعلى للحسابات للرصد و طلب الزجر بواسطة القضاء و هو نفس الدور تقريباً الموكول للمفتشية العامة للمالية.
 
فماذا تفعل هاته المؤسسات الثلاث أمام الملفات الكبرى للبلد و التي عبأت  الدولة من أجلها ملايير الدراهم دون نتائج ملموسة تذكر؟ فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت سنة 2005 زاغت عن أهدافها و صارت في الكثير من الأحيان “داراً” للشحاتة تشجع ثقافة الإتكال عوض أن تكون مصدراً لإنتاج الأفكار المدرة للدخل و بلورة المشاريع المهيكلة، مع صون كرامة المواطن. و سبق لملك البلاد أن انتقد أدائها في أحد خطبه دون أن يثير ذلك فضول هيآت الرقابة التي تنفق عليها الدولة من أجل تفعيل آلية المحاسبة، مع العلم أن المبادرة تدبر ملايير الدراهم.
 
أما إصلاح ميثاق التعليم المفترى عليه، فقد التهم ملايير الدراهم دون تحقيق أدنى تقدم، الأنكى من ذلك أن منظومة التعليم بالمغرب تتراجع و القيم المفروض أن يتلقاها الشباب بالمؤسسات التعليمية تتهاوى. المصيبة أن المسؤولين عن صرف تلك الملايير معروفين و تقدموا في السلم الإجتماعي لمناصب أرقى و لم نسمع يوما أن مجلس “القاضي جطو” قد اهتم بالموضوع و لا  أنتج تقريرا واحدا عن   مشاريع إصلاح التعليم.  كما أن مجلس جطو لم تستفزه مداخلة برلماني حزب الإستقلال اللبار الذي قال جهراً  أمام ملايين المغاربة و من تحت قبة البرلمان أن ملايير إصلاح التعليم ذهبت للجيوب و لم يعرف لها الإصلاح طريقا. 
 
لذلك، سنظل  نؤكد  على أن المغرب ليس بلدا فقير الموارد لكنه فقير الحكامة،  بلد يتوفر على إمكاناتٍ كافيةٍ  لتدبير حاجيات مواطنيه و خلق الثروة وصون الكرامة و العدالة الإجتماعية، لكنه يفتقد لإرادة سياسية تفعل ربط المسؤولية بالمحاسبة   
و ليذهب مبدأ اللاعقاب  للجحيم.  و مادامت الدولة عاجزة عن الزجر فإن المفسدون مطمئنون و ماشون في النهب دون حسيبٍ أو رقيب.
 
إنه من واجب الإعلام أن يضع الأصبع عن هذه الظواهر و هاته الإختلالات، لأن دور الإعلام هو الدفع  بالبلاد  للأعلى و فضح المفسدين، هي خدمة  يسديها  للدولة و إن كان صدر هاته الأخيرة يضيق أمام مرآة الواقع.   فمن الإفضل أن ننشر غسيلنا بيننا على أن نمنح الآخرين و سائل فضحنا  عالمياً. و لعل التقارير الأخيرة لمنظماتٍ عالمية شوهت صورة بلادنا بما يكفي، فهلا توقفنا عن منحها العصا التي تهوي بها على رأسنا.
 
قبل أسبوعين قدم المغرب لجنة ترشيحه لكأس العالم و ذكر رئيس جامعة كرة القدم أن الفيفا أضافت ملف حقوق الإنسان بدفتر تحملات الترشيح. ثلاثة أيام بعد ذلك، عرفت المحكمة الإبتدائية للرباط وقفة مظاهرة ضخمة لرجال  و نساء الصحافة تضامناً مع أربعة صحفيين و أربعة منابر قرر رئيس الغرفة الثانية للبرلمان جرهم للمحاكمة بتهمة نشر أخبار حقيقية عن فساد و اختلاسات الصندوق المغربي للتقاعد.! تم ذلك تحت عدسات و كاميرات وسائل إعلام دولية منحناها مجاناً مادة دسمة لوضع سمعة البلد في الوحل كما فعلت فرانس24 و قنوات أخرى.
 
هذه هي الإرادة السياسية التي نتحدث عنها، المفسدون يعيثون في المال العام فساداً و فاضحوهم من الإعلاميين يجرون للمحاكم أو يقبعون وراء القضبان.
 
#ولا-حول-ولا-قوة-إلا-بالله. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى