إفتتاحية سمير شوقي

المال السايب …

 
 
أجدادنا كانوا يطلقون مثلا عامياً مثقلاً بالدلالات و هو : “الحاجة اللي ما شبهات مولاها حرام”. و المراد هنا هو  الوقوف على العديد من الظواهر بالمغرب تشبه تربة البلد الذي ترعرعت فوقه.
 ففي المغرب، الريع و اللاعقاب و الكيل بمكيالين في ربط المسؤولية بالمحاسبة تسري على السياسة و الأعمال و الإقتصاد كما الرياضة. إذ لا يمكن أن تنتظر، مثلاً، من قطاع الرياضة حكامةً جيدة و تدبيراً شفافاً في منظومةٍ عامة يحكمها الريع و الفساد، و الأمثلة كثيرة و نبدأ من آخرها.
 
فهذا رئيس العصبة الإحترافية، أي ثاني شخصية في المنظومة الكروية بعد رئيس الجامعة، و المفروض فيه أن يكون قدوة للأندية، يناور منذ أيام ليبخس نادي المغرب الفاسي في حقوقه من صفقة نجم الوداد السابق بنشرقي. فعقد الأخير ينص على استفادة الفريق الفاسي من 25% من صفقة انتقاله لأي نادي آخر بعد الوداد. ولأن صفقة انتقاله للسعودية بلغت 5 مليار سنتيم فإن حصة “الماص” هي مليار و 250 مليون سنتيم بكل بساطة ولا يحتاج الأمر لأي شروحات.  
 
عوض ذلك، رئيس العصبة  يفاوض رئيس الماص لخفض حقوقه ل 750 مليون سنتيم فقط و يطالب أهل فاس” بالتنازل عن 500 مليون سنتيم بمبررات واهية، من قبيل التحايل على مبلغ الصفقة، و هو أمر لا يشرف المنصب الذي يحتله ولا تاريخ نادي الوداد العريق. حتى أن مناصري الوداد يطالبون الناصيري بإعطاء “الناس رزقهم”.
 
هذا سلوك حقاً غريب، خاصة و أن النادي البيضاوي في بحبوحة مالية بعد أن ضحت مؤخراً في حساباته كل من الفيفا و الكاف و الجامعة أزيد من 4 مليار سنتيم مقابل انتصارات الوداد القارية و المشاركة بالكأس العالمية. فلماذا كل هذا الجشع من شخص المفروض فيه أن يساعد الأندية خاصة تلك التي تعيش صعوبات مادية كالماص؟ 
الجواب بسيط. فالرجل يعرف أنه يمارس في منظومة بلا حسيب ولا رقيب، لا أحد يحاسب الأندية عن أصل الأموال التي تضخ في الرياضة ولا أين تصرف، و يمكن لأي رئيس أن يضمن سكوت منخرطين مؤدى عنهم ليضمن “نجاته” من المحاسبة
لذلك، يمكنك أن تتصرف في الملايير و حتى أن تكون محط اتهامات صحفية بالبنط العريض ولا يقدم أحد على “إزعاجك” بما فيهم النيابة العامة، رغم توفر الحجة و الدليل. أما في صفقة بنشرقي، فعلى الناصيري أن ينشر عقد اللاعب و يؤدي “للماص” حقها كاملا  لوقف هذه المهزلة. 
 
ولأننا آثرنا أن نغوص داخل منظومة الرياضة في هذا العدد، لأنها عكس ما يظن البعض تدار بالملايير أغلبها أموال عمومية، لا بأس أن نذكر بأنه على المجلس الأعلى للحسابات أن يهتم بهذا القطاع و أن يعرف أين تصرف أموال دافعي الضرائب التي تدفعها  المجالس الجماعية و المجالس الجهوية و مؤسسات القطاع العام. 
 
ولأننا عشية الإنتقال من منظومة هاوية تحكمها جمعيات تطوعية لنظام احترافي بشركات رياضية، فإن رؤساء بعض الأندية بدأوا يخططون ليضعوا أيديهم بصفة نهائية على بعض الأندية، منها أندية بمرجعية عالمية  علما منهم  أن كرة القدم “ماكينة” للأموال الغير مراقبة. لذلك على الجهاز الوصي، أي الجامعة و وزارة الشباب و الرياضة و مؤسسات الرقابة و منها مجلس جطو أن ينتبهوا لهذا الأمر. إذ لا يمكن لمن أفسد التسيير الرياضي و قاده لحافة الإفلاس أن يكون منقذا أو مالكا لنادي رياضي بخلفية شعبية  و إسقاطات أمنية أكيدة.  
 
الأمر في غاية الخطورة، و أي تساهلٍ مع الشخصيات العمومية التي تسير الرياضة  بفكر استبدادي و انتهازي  و استباحةٍ للمال العام يمكن أن ينتج عنه تفاعلاتٍ  شعبية غير محسوبة العواقب. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى