اللغة العربية .. حتمية التطور
اللغة العربية الفصحى كانت في الأصل لهجة “عامية” تمت معيرتها لأسباب تاريخية وثقافية نعرفها. واللغات كلها بما فيها العربية تبقى مسايرة للتطور الثقافي والسوسيولوجي لأنها تحتك باللهجات وتنهل منها وتؤثر فيها.
لغة الجاحظ تختلف عن عربية امرؤ القيس شيئا ما، وعربية ابن رشد وابن خلدون مختلفة في بعض أمورها عن لغة أبو هلال العسكري، أما طه حسين وأحمد شوقي فأسسا للغة حديثة سايرت ركب النهضة العربية الثقافي والسياسي والمجتمعي.
اللغة العربية الحديثة هي لغة وسطى ممعيرة كما يسميها اللسانيون، أي أنها تتموقع بين اللغة الكلاسيكية للجاحظ وسبويه وبين متطلات التداول الذي تتيحه اللهجات العربية المختلفة من الخليج إلى المحيط.
اللغة شيء حي، ينهل من لغات أخرى ولهجات أخرى ويؤثر فيها ويتفاعل معها؛ اللغة ليست أقنومة صامدة جامدة؛ وإن حاولنا تحنيطها لكي لا تتغير صارت مثل اللاتينية والعبرية الكلاسيكية والألمانية القروسطية ولغة البيوولف الإنجليزية، ميتة، متشيئة لا تساير عصرها. انظر كيف أن الإنجليزية صارت لغة العصر لأنها نهلت من الفرنسية والايطالية والاسبانية والكريول واللغات الاسكندنافية واغتنت بها وقامت بعملية “انجلزة” أعطتها دورا عالميا رياديا.
الماندرين الصينية هي نتيجة لعملية تحديث كبيرة قام بها الصينيون وأدخلوا عليها عبارات من الكانتونية وغيرها. لي غيرة حقيقية على اللغة العربية ولكني أريد أن أراها لغة متطورة حديثة مواكبة للعصر منفتحة على اللغات واللهجات لا لغة مستعصية راكدة جامدة، المجتمع في واد وهي في واد آخر.
لحسن حداد